نحو سياسة للتعايش والتسامح

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل هناك ما يدعو إلى سياسة التسامح والتعايش في مصر؟ والسؤال على السؤال، وهل هناك ما يسوغ طرح هذا السؤال مصريا؟

نعم لأن الحالة المصرية تختلف عن غيرها من الحالات العربية والإقليمية الأخرى، ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:

أ- مصر دولة/ أمة موحدة منذ بناء الدولة الحديثة في إطار الحركة الوطنية الدستورية المعادية للاستعمار البريطاني وتأسيس النظام الليبرالي، وفي ظل النظام الجمهوري.

ب- الجوامع الوطنية المشتركة لا تزال تعلو على الانتماءات الأولية الدينية والمذهبية والمناطقية والعرقية على الرغم من بعض الحيف الذي مس بعض هذه المكونات تاريخياً.

ج- ثقافة الدولة المصرية الحديثة لا تزال تشكل عقيدة وضعية لدى المصريين لأنها أحد أبرز محاور توحدهم لميراثها التاريخي في الوعي الاجتماعي لهم، ومن ثم هي مناط أملهم ورجاؤهم في الأزمات الكبرى.

قوة الدولة المصرية وقدراتها على التماسك العضوي ظهرت في لحظات الفوضى، والانفلات الأمني والاضطرابات، وقدرتها على السيطرة، هو ما ظهر في عديد الأزمات الكبرى، وآخرها ما حدث في أعقاب 25 يناير 2011، وما بعد، وفي 30 يونيو وما بعد، وهو ما شكل حالة متفردة في المنطقة.

أن أسباب الحاجة إلى سياسة التسامح والتعايش في مصر تتمثل فيما يلي:

1 - ميراث من التوترات الدينية الإسلامية - المسيحية المفتعلة تحولت في بعض الأحيان إلى نزاعات ذات طبيعة طائفية.

2 - بعض أشكال التمييز على أساس ديني، ظهرت في سياسة التعيين في بعض الوظائف.

3 -بروز بعض أشكال التمييز في تقديم بعض الخدمات العامة، وفي المدارس الحكومية من بعض المدرسين والمدرسات.. الخ.

4 - الخطابات الدينية التمييزية للجماعات الإسلامية السياسية والراديكالية، وبعض الجمعيات الأهلية الإسلامية في مراحل الانتقال السياسي الثلاث لاسيما الأولى والثانية تحت حكم الإخوان والسلفيين.

الأسباب الداعية لسياسة التسامح سابقة السرد، تشير إلى أنها سياسة مساعدة لسياسة المواطنة، وليست بديلاً عنها لأنها الأساس دستورياً وقانونياً وسياسياً واجتماعياً وثقافياً، ومن ثم تبدو ضرورات تجديدها حول دولة القانون الوضعي الحديث من الأهمية بمكان كنقطة انطلاق لتحقيق مبادئ المساواة والمواطنة وعلى رأسها حرية التدين والاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية.

نقصد بسياسة التسامح والتعايش، هو مجموعة القيم السياسية والاجتماعية والدينية التي تحض على التعايش الوطني بين كافة مكونات المجتمع على تعددها الديني والمذهبي والعرقي والمناطقي والنوعي وهي قيم المغفرة والصفح، وعدم التمييز ورفض الإقصاء، والمساواة والمواطنة، وإعمال قانون الدولة.

تعتمد سياسة التسامح والتعايش على مجموعة من البرامج والآليات في المجالات الدينية والتعليمية والثقافية، وذلك على النحو التالي:

أولاً: تضع الدولة وأجهزتها بالتعاون مع المجتمع المدني وأصحاب الشأن بعض البرامج التعليمية والدينية، تعتمد على ما يلي:

1 - الدعوة إلى تعديل كافة النصوص القانونية التي تؤدي إلى التمييز بين المواطنين أيا كانت انتماءاتهم لاسيما الدينية والمذهبية والاجتماعية والعرقية.

2 - وضع برامج تعليمية وثقافية تحض على التسامح كمفهوم وممارسة في الأديان المختلفة، وفي نبذ التمييز.

3 - وضع برامج تدريبية تقوم على المشاركة بين المتدربين وبين المدربين حول التعايش والتسامح والمواطنة.

4 - مشاركة الجمعيات الأهلية والمراكز الحقوقية في وضع برامج نظرية وتدريبية حول التسامح، سواء للنشطاء في المجتمع المدني أو في إطار أجهزة الدولة، أو لطلاب وطالبات المدارس والجامعات.

5 - إعادة تأهيل العاملين في المجال الإعلامي، والمدرسين والمدرسات من قبل الابتدائي إلى الثانوي، بل وفي الجامعات، على ثقافة التسامح، لاسيما بعد الموجة الإسلامية السياسية التي تمددت فيها، ولدي بعض أعضاء هيئات التدريس في الجامعات المصرية لاسيما الإقليمية.

6 - إعداد برامج تدريب على ثقافة التسامح وقبول الآخر الديني والمذهبي والسياسي والاجتماعي للمدرسين والمدرسات، في رياض الأطفال والمدارس الابتدائية والإعدادية والثانوية. لا بد أيضاً من دمج هذه البرامج ضمن المناهج المقررة للامتحانات، وفي التعبير والنصوص المقررة ودروس الرياضة، والتربية الفنية والمنزلية، في الرسم والنحت وكموضوعات في ربط ثقافة الطعام بالمناطق والأعياد الدينية والصيام، وذلك لربط التسامح بأنماط الحياة اليومية.

أن دور المدرسين والمدرسات مهم لأن بعضهم يلعبون دوراً سلبياً في التعليم والتربية على التمييز على أساس ديني لانتماء بعضهم للفكر المحافظ والمتشدد، أو الانتماء السياسي لإيديولوجيا الجماعات الإسلامية السياسية.

7 - تأليف كتاب عن ثقافة المواطنة والتسامح والتعايش يتم إقراره على طلاب وطالبات الجامعات والمعاهد العليا في البلاد، وتوضع اختبارات سنوية لهم في هذا الصدد.

إن إعادة تجديد التكامل الوطني في إطار التعدديات السياسية والثقافية والاجتماعية والدينية، يشكل مدخلاً مهماً لبث الحيوية الاجتماعية والسياسية، والحفز على الإبداع وتجديد الرؤى، وتنشيط الفعل والعمل في الحياة.

Email