حلم الشباب والنظام التعليمي

ت + ت - الحجم الطبيعي

تضع امتحانات الثانوية العامة الشباب على مفترق الطرق التي تقودهم إلى المستقبل. ويمتلك كل طالب أو طالبة أثناء الدراسة حلمه الخاص به، والقليل من يستطيع تحقيق ذلك الحلم، والأسباب التي تحول دون تحقيق أحلامهم عديدة.

هناك من الأسباب ما يرتبط بالشباب أنفسهم الذين لا يبذلون جهودهم كما يجب ليحققوا طموحهم الالتحاق بالتخصص الذين كانوا يحلمون به. وهناك من تحول ظروفه الأسرية والاجتماعية دون ذلك، وهناك من تقف العوائق الاقتصادية سداً أمام تحقيق الحلم، وقليلاً ما يتم النظر إلى النظام التعليمي باعتباره أحد الأسباب التي تقف حائلاً دون تحقيق أحلامهم.

نعرف أن امتحانات الثانوية العامة في المجتمعات العربية تشكل كابوساً للأسرة قبل أن تكون للطالب والطالبة، حيث أصبحت تشكل عبئاً نفسياً ثقيلاً على الأسرة العربية، فشعار (في بيتنا طالب توجيهي) كفيل بأن يخلق جواً متوتراً، يسهم في التأثير على أداء الطالب. وعلى الرغم من محاولات وزارات التربية في بعض الدول العربية التخلص من العبء التقليدي لامتحانات الثانوية العامة بالانتقال إلى نظام الفصول الدراسية، إلا أنه ظل يحمل في صميمه عبء الامتحانات الشاملة وضغوطها النفسية التي تمتد إلى فترة قد تمتد إلى ثلاثة أسابيع، وهي كفيلة بأن تخلق الملل والفتور، وقد تؤثر على الأداء أيضاً. وكذلك نجد من الطلبة مَن يحصل على معدلٍ عالٍ، ولكن لا تمكنهم ظروف أسرهم المالية من تـأمين دراستهم في التخصصات التي يرغبون فيها إذا لم يحصلوا على قبول في الجامعات الرسمية.

ولا شك أن حلم الشباب في إنجاز طموحاتهم هو أمل أي مجتمع من المجتمعات؛ لأن التقدم والتنمية الحقيقية يعتمدان على جهد الشباب وإنجازاتهم. ولكن التساؤل الجوهري يتمثل بإلى أي مدى يتوافق حلم الشباب في دراسة التخصص الذي يرغبون فيه مع حاجات المجتمع؟

من الأمور المُلْفِتة للانتباه أن شبابنا يطمحون دوماً في مهن ذوي الياقات البيضاء، مثل مهن: الطب، والهندسة، والمحاماة، والإدارة والتعليم، إلخ... علماً أن مجتمعاتنا تحتاج إلى مهن رديفةٍ مثل: العمال، وفنيي الكهرباء والميكانيك، والبناء، فعلى سبيل المثال، لدينا عشرات الآلاف من المهندسين في مختلف المجالات، ولكن ليس لديهم العدد اللازم من الطواقم الفنية المساندة؛ ولذا فإن التوجه نحو التعليم الفني والمهني ضرورة وطنية وملحّة للسّير نحو إنجاز تنمية اقتصادية أساسها التصنيع،

ولدينا نماذج تحتذى من دول مثل ماليزيا وكوريا وسنغافورة كانت تعاني من التخلف واستطاعت أن تخطو في سنوات لا تتعدى عقدين من الزمن خطوات قادت تلك الدول إلى تنمية نقلتها إلى صفوف الدول المتقدمة، وكان الأساس في تقدمها هو إعادة النظر في أنظمتها التعليمية، والتي انبنت على رؤية استراتيجية في التعليم تعمل على تكوين القوى العاملة بناء الحاجات الفعلية للكوادر البشرية من فنيين وبيروقراطيين وعمال مهرة.

وللأسف ما زالت فكرة التخصصات الذهبية من ذوي الياقات البيضاء تسيطر على توجهات الشباب ويعززها رؤية المجتمع للمهن اليدوية باعتبارها مِهناً لا يمكن مقارنتها بالوظائف الرسمية بل ينظر إليها نظرة دونية.

ولكي تخطو مجتمعاتنا خطوات نحو انجاز تنموي حقيقي نحتاج إلى الانتقال من رؤية تعتمد على وظائف مكتبية إلى رؤية تحترم الوظائف التي يعتمد فيها الشباب على سواعدهم، ونحتاج إلى تغيير فلسفة النظام التعليمي، وإعادة بنيته، ونحتاج كذلك إلى تطوير ثقافة المجتمع باتجاه تغيير مفاهيم ثقافة العيب نحو العمل اليدوي.

Email