العرب والصين

ت + ت - الحجم الطبيعي

في خمسينيات القرن العشرين نشأت كتلة عدم الانحياز من الدول التي كانت تنظر إلى ضرورة قيام علاقات متوازنة بين شعوب الأرض، وكان من أبرز القادة المؤسسين لها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، كانت هذه الحركة قد برزت في ذروة الحرب الباردة بين الكتلة الشرقية بزعامة الاتحاد السوفييتي وكتلة الدول الغربية بزعامة الولايات المتحدة.

وفي التسعينيات من القرن الماضي وبعد انهيار الاتحاد السوفييتي وتفككه إلى دول عدة، وانفراد الولايات المتحدة كقطب أوحد يهيمن على السياسة الدولية، بات الأمر مختلفاً في العلاقات الدولية، وصارت الدول تتجه نحو الغرب باعتباره القوة العظمى الأوحد التي تسيطر على السياسة الدولية واقتصادات العالم.

ومع مطلع الألفية الثالثة بدأت مرحلة جديدة في تشكيل المناخ السياسي الدولي، ولعل من أهمها ظهور الصين كقوة ناعمة تلعب دوراً مهماً في اقتصادات العالم لتصبح ثاني قوة اقتصادية مع أعلى معدلات نمو في العالم، وكذلك عودة روسيا لتلعب دوراً مهماً في السياسة الدولية وكان آخرها تدخلها العسكري في سوريا وانسحابها منها. ويضاف إلى هذا الظهور قوى اقتصادية دولية جديدة مثل البرازيل والنمور الآسيوية.

وشهدت العلاقات العربية الدولية مع الغرب خلال العقود الماضية علاقات وثيقة عززها مصالح الغرب الاقتصادية وعلى رأسها النفط، وكذلك المصالح التجارية باعتبارها سوقاً استهلاكياً كبيراً، ومستهلكاً أكبر لتجارة السلاح التي تبلغ المليارات.

وعلى الرغم من التحيز الفاضح للغرب لإسرائيل والمواقف الأميركية المنحازة لها خصوصاً في مجلس الأمن، والتصريحات المعلنة لقادة أميركا الالتزام بأمن إسرائيل وحمايتها، فإن المواقف العربية من الغرب ظلت علاقات صداقة وثيقة.

وعلى الرغم من أن الصين باتت تمثل قوة عظمى يتصاعد دورها بهدوء في الساحة الدولية، وعلى الرغم من أن المواقف التاريخية للصين كانت داعمة للقضايا العربية، إلا أننا نجد أن الاهتمام بعلاقات مميزة معها لم تأخذ دورها إلا أخيراً.

فكانت زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آلِ نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة للصين هي مثال على الإدراك لأهمية خصوصية العلاقة مع العملاق الصيني الصاعد، وكانت كذلك زيارة السيسي للصين، وزيارة الرئيس الصيني للسعودية وأخيراً لمصر، دليل على إدراك الطرفين لأهمية وجود علاقات استراتيجية عربية – صينية، تتجاوز هيمنة العلاقات مع الدول الغربية في السياسة الدولية.

إن التوجه نحو الشرق له ما يبرره، فلم يعان العرب يوماً من سلبيات العلاقة مع الشرق، فلا يوجد إرث استعماري للصين في المنطقة، وليس هناك ما يبرر من وجود علاقات متوترة معها، حيث لا تلعب وسائل الإعلام هناك دوراً مسيئاً إلى صورة العرب وصورة الإسلام، كما تفعل ذلك وسائل الإعلام الغربية التي يسيطر عليها اليهود، والذين يبتزون العالم من خلال «مقولة محرقة اليهود».

إن التوجه نحو علاقات أوثق مع الصين هو خيار استراتيجي صائب تحتاجه البلاد العربية لكسب صداقتها باعتبارها قوة اقتصادية وبشرية كبرى لصنع توازنات في في ظل علاقات دولية متشابكة.

Email