كيف يحسم «المندوبون» انتخابات الرئاسة الأميركية؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

وسط معركة شرسة حول أصوات الناخبين، فوجئ المتابعون للانتخابات الأميركية بكثافة الحديث عن «المندوبين».

فعشية «الثلاثاء الكبير»، الذي تنعقد فيه الانتخابات التمهيدية في أغلب ولايات الجنوب معاً، وتوقعاً منه للهزيمة في عدد كبير منها، طمأن برني ساندرز جمهوره مؤكداً أنه حتى في تلك الحالة، فسيحصل على «مئات المندوبين»! وبمجرد إعلان اكتساح دونالد ترامب، نشرت الصحف تقارير تتساءل عن ما إذا كان بإمكان الجمهوريين وقف تقدم ترامب عبر استخدام «المندوبين».

والمندوبون هم أولئك الذين يحضرون المؤتمر العام لكل من الحزبين، وهم الذين يختارون، فعلياً، مرشح الحزب، ويخطئ من يتصور أن انتخاب الرئيس الأميركي عملية تتم وفق الأسس المعروفة في الانتخابات حول العالم، ويخطئ أيضاً من يتصور أن الانتخابات الحالية هي الأولى من نوعها التي يكون فيها «المندوبون» تحت الأضواء، فانتخابات الرئاسة الأميركية عملية بالغة التعقيد ولا تتم في أي من مراحلها عبر الانتخاب المباشر.

وفي المرحلة الحالية، أي المرحلة التمهيدية، فإن القصة برمتها هي قصة كم مندوب يحصل عليه كل مرشح، والمندوبون قصة برزت عدة مرات كان آخرها في انتخابات 2008، حين فوجئ الديمقراطيون بدور محتمل لما يطلق عليه «المندوبون السوبر»، حيث كانت هيلاري كلينتون تعول عليهم لهزيمة منافسها أوباما.

وقد لا يعرف الكثيرون أن مرحلة الانتخابات التمهيدية ليس منصوص عليها بالمرة في الدستور الأميركي، بل أكثر من ذلك، ولا توجد في الدستور كلمة واحدة تنص أصلاً على وجود الأحزاب أو تنظم عملها، فالدستور الأميركي ينظم فقط عملية الانتخاب التي صارت تعرف بانتخابات «الخريف»، والتي صارت اليوم تتم بين مرشحي الحزبين الكبيرين، وهي انتخابات غير مباشرة عبر ما يسمى «بالمجمع الانتخابي».

أما مرحلة الانتخابات التمهيدية، التي هي ببساطة مرحلة يختار فيها كل حزب لمرشح واحد من بين أي عدد من المرشحين باسمه، فقد استلهمت روح الدستور الأميركي، فصارت هي الأخرى انتخابات غير مباشرة، والناخب فيها، حين يختار أحد مرشحي الحزب، فإنه في الحقيقة يحدد عدد المندوبين، عن ذلك المرشح، الذين سيحضرون المؤتمر العام للحزب.

لكن المسألة ليست تحصيل حاصل كما تبدو للوهلة الأولى، فالقضية لا تعني بالضرورة أن المرشح الفائز في أكبر عدد من الولايات سيكون هو بالضرورة مرشح الحزب، لأن طريقة الحساب تنطوي على تعقيدات لا أول لها ولا آخر، فكل حزب يحدد أولاً مجموع عدد المندوبين الذين سيحضرون مؤتمره العام، ويوزعهم على الولايات، التي لا تتساوى في عدد مندوبيها.

إذ يتوقف الأمر على اعتبارات عدة منها عدد سكان الولاية، ومدى شعبية الحزب بها، غير أن الأهم من هذا هو كيفية حساب عدد المندوبين الذين يحصل عليهم كل مرشح. فتلك مسألة تختلف اختلافات شاسعة من حزب لحزب ومن ولاية لأخرى.

فالحزب الديمقراطي يوزع مندوبي كل ولاية وفق القاعدة النسبية، أي يحصل كل مرشح على نسبة من المندوبين تكافئ نسبة أصوات الناخبين التي حصل عليها، ومن هنا، جاءت تصريحات برني ساندرز، فهزيمته في عدد كبير من ولايات «الثلاثاء الكبير» لا تعني أنه خرج من المعركة صفر اليدين، فهو سيحصل على نسبة من المندوبين في كل ولاية تكافئ، ولا تتساوى بالضرورة مع، نسبة التصويت الشعبية التي حصل عليها، لأن المسألة بها تعقيدات أخرى.

إذ هناك نسبة من هؤلاء المندوبين تمنح على الولاية ككل وأخرى تمنح وفق نسبة تصويت كل دائرة انتخابية ولتصريح ساندرز مغزى مهم فالقاعدة النسبية، رغم تعقيداتها، تفسر بقاءه في السباق، حتى الآن على الأقل، وتضمن له القدرة على التفاوض في المؤتمر العام وقت كتابة برنامج الحزب.

أما الحزب الجمهوري، فكان تقليدياً، يترك أمر حساب المندوبين للولايات فكانت بعضها تتبع قاعدة النسبية بينما الأخرى تعطى الفائز في الولاية «كل» مندوبيها، لكن الحزب قام بتغيير قواعده في 2014 بعد فشله في الفوز بالبيت الأبيض مرتين متتاليتين، وقد أدخل تعديلاته متأثرا بما جرى لمرشحه ميت رومني في 2012.

قتها امتدت المعركة حول ترشيح الحزب الجمهوري زمنا طويلا ظلت فيه المنافسة شرسة ضد جمهوريين آخرين، بينما تفرغ منافسه الديمقراطي، أوباما، لإدارة حملة انتخابية ناجحة ضد الحزب الجمهوري، لذلك، هدفت تعديلات الحزب الجمهوري للحد من قدرة المرشحين الجمهوريين الأضعف على جر الحزب كله للوراء.

فقام بتقسيم المرحلة التمهيدية لمرحلة تنتهي في منتصف مارس، ويوزع فيها المندوبون وفق القاعدة النسبية بشرط أن يحصل المرشح على 20% على الأقل من الأصوات، بينما يتم توزيعهم بعد ذلك التاريخ، وفق قاعدة أن الفائز يحصل على كل المندوبين.

لكن لأن اشتراط 20% ساعد ترامب وخصم من منافسيه، فقد صار الحزب يضع كل آماله على مرحلة «الفائز يحصل على كل المندوبين» التي تأتي بعد منتصف مارس، طمعاً في أن يحتل روبيو المركز الأول في ولايات عدة فيفوز بكل مندوبيها.!

Email