الإعلان وتأثيراته المتعددة

ت + ت - الحجم الطبيعي

الإعلان من الأنشطة الاتصالية المهمة في المجتمعات الحديثة، وبالقدر الذي يمكن فيه القول إنَّ عصرنا هو عصر الاتصال، يمكننا القول إنه عصر الإعلان، لأنه أضحى وسيلة مثلى للترويج عن السلع والخدمات وللسيطرة على قرارات المستهلكين.

وترك الإعلان بصماته واضحة على حياة الأفراد والمجتمعات والشعوب، فالإعلان ذو وظيفة اقتصادية لها تأثيراتها المتعددة في حياة الأفراد والمجتمعات والأسواق المحلية والدولية. إذْ يسعى الإعلان إلى ترويج السلع، مما يعزز النشاط التجاري والصناعي داخل المجتمع ذاته، كما يعزز ذلك على مستوى التجارة الدولية.

ويوفر الإعلان للأفراد المعلومات عن السلع والخدمات، كما يوفرها للمؤسسات والشركات الصناعية والتجارية المنافسة. ويقوم الإعلان بتسهيل عملية التسويق وتخفيف تكلفته، ويُسهِّل على البائع ترويج سلعته، وهذا يؤدي إلى زيادة التسويق، مما يقود إلى الانتعاش الاقتصادي، ويؤثر بالتالي في انتعاش سوق العمل مما يحد من البطالة. وتعتمد اقتصاديات وسائل الإعلام الآن اعتماداً كبيراً على الإعلان.

ولذا نجد أن وسائل الإعلام الرسمية تعتمد اعتماداً كاملاً على الحكومة لتغطية العجز في ميزانياتها. ويشعر المتابع لوسائل الإعلام أحيانا بالغضب من كثرة الإعلانات التي تغطي صفحات الجرائد والمجلات.

والتي تغمر ساعات بث الفضائيات، بحيث أصبح الإعلان جزءاً من البث اليومي لمحطات التلفزيون الذي يعترض في أحيان كثيرة برامجنا المفضلة أو البرامج ذات الشعبية الكبيرة مما يُعكّر أمزجتنا ويدعونا للتحول من محطة تلفزيونية إلى أخرى.

وينظر الناس إلى الإعلان على أنه رسالة مغرية لشراء السلعة، تعتمد على الصورة الجميلة والمثيرة للانتباه في الوسائل المطبوعة، وتعتمد في التلفزيون على الموسيقى والرقص. والقليل منا من ينظر إلى الإعلان كمادة ذات بُعدٍ ثقافي تتجاوز رسالتها التسويقية.

فلا يغيب عن بالنا أنه ليس مجرد ترويج لسلعة أو خدمة ما، إنه يحمل في طياته ثقافة، ويعبر عنها من عدة أوجه، فهو يحمل ثقافة مُصدّر السلعة. ويحمل ثقافة المعلن. ويحمل ثقافة مُصنِّع الإعلان.

ويقدم الإعلان رسائل مصاغة بلغة عاطفية مراوغة في معانيها مليئة بالتمويه والخداع. وهي بكل تأكيد تُحقق أهدافها. وتتسلل إلى عقول الناس ليتخذوا قراراتهم بناء عليها، ولتصبح جزءاً من حياتهم اليومية.

ولنأخذ أمثلة من بعض ما نسمع أو نشاهد يومياً ونُحلّل كلمات أي إعلان، إن ذلك يرشدنا إلى طريقة استخدام اللغة العاطفية التي تحاول أن تستميل مشاهديها أو قارئيها. ولكنها لغة إذا لم تكن كاذبة فإنها لغة تفتقد القدرة على التثبت من صحة مضمونها، فماذا يثبت لنا صحة ما تَدّعيه حينما يشير إعلان ما إلى سلعة بأنها الأولى ؟

وبمراجعة إعلانات التلفزيون التي تستخدم الكلمة والصورة والحركة والموسيقى نرى إلى أي حد يمكن لهذه الإعلانات بصورها الخادعة وكلماتها المراوغة - واعتمادها على إثارة الغرائز أحياناً- أن تخلق عند المشاهدين حاجات ليست ضرورية وتُعوّدهم على استهلاك ما لا حاجة لهم به.

فالإعلان ذو بعد اقتصادي لا تخفى جوانبه من حيث تنشيط الحركة الاقتصادية. لكن هذا الجانب يحمل معه بعداً ذا أثر سيء، من حيث إشاعة النمط الاستهلاكي في مجتمعات غير منتجة، وتعويد الناس على شراء سلع كمالية لا ضرورة لها، مما يشكل فيما بعد عادات تتسلل إلى ثقافة الناس وحياتهم الفردية، ويُغيِّر من نمط حياتهم في ظل وجود مُتَلقٍ لرسائل الإعلان لا يمتلك الحس النقدي. وهكذا تُخلَق أنماطٌ جديدة من الحاجات نحن في غِنى عنها.

الحقيقة هي أن الإعلان تجميل مؤسسي يلقى التشجيع لأنه يخدم حاجات الشركات. والجمهور منغمس فيه لأنه يعتقد بفائدته له. ومعظم الإعلانات التجارية التلفزيونية سواء مباشرة أو غير مباشرة هي عملية تجميلية مفتعلة ويتقبلها معظم الناس على أنها حقيقية.

 

Email