على خطى قابيل

ت + ت - الحجم الطبيعي

شباب وفتيات في سن الزهور يتحزمون بأحزمة ناسفة، ثم يرتدون ملابسهم لينطلقوا في مهمة يموتون فيها، ويموت كل من حولهم من الأحياء، وتموت معهم البراءة الإنسانية والفطرة البشرية، ولينتشل الموت الأهداف السامية التي خلق الله تعالى عباده لأجلها على كوكبنا النابض بالحياة والحيوية والجديد والتجديد منذ أن خلق الأرض وإلى أن يرثها ومن عليها.

ليس هذا فحسب بل تنقل لنا وسائل الإعلام صوراً لبراعم لم تزهر بعد، وأطفال لم يدخلوا المدارس يتدربون على حمل السلاح لأجل قتل النفس والمجتمع ذلك أن سادتهم وكبراءهم قرروا أن يعيش هؤلاء الأبرياء ليموتوا قبل أن يكبروا ويتعلموا ويتذوقوا طعم الحياة على كوكبنا الجميل.

أجل يعيش أولئك الأبرياء ليموتوا ضحية فكر يجعل التصميم على الموت هدفاً منشوداً دون اعتبار النتائج والتبعات، ومن غير مراجعة هذا «الفكر» من أساسه لأنه لو تمت تلك المراجعة لانهار «الفكر» وتبدّل «الرأي» وخسر صاحب الفكرة فكرته ويصبح من المفلسين عند أول سؤال يطرحه المراجعون: لماذا خلق الله الإنسان على كوكب الأرض ولم يخلقه على المريخ أو المشتري أو زحل أو خارج مجموعتنا الشمسية أو في مجرة أخرى؟!.

ذلك أن الهدف السامي للإنسان على أرضه هو «الاستخلاف» وعمارة الأرض وتعميرها، وتطوير مكونات الحياة السعيدة. وعبادة ربه والسعي في مناكبها وفق ما تناقله الحكماء والعقلاء «اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً، واعمل لآخرتك كأنّك تموت غداً» وهذا ما لا يقبله عشّاق الموت الذين يتشبثون بفكرهم المعارض للحياة، ويسعون في الأرض في اتجاه معاكس لعمارتها وتطوير مدنها ومجتمعاتها.

اجتذب هذا الفكر الهدام خلقاً كثيراً من بني آدم واندس أتباعه بين مختلف الطوائف والملل والنحل فلم يسلم منه مجتمع البشر اليوم.

التزموا نهج القراءة الواحدة للنص الشرعي وتمسكوا به ليصبح الفكر الأوحد منهاجاً يوجّه إدراكهم لفقه الواقع وحركة التاريخ، واغتروا بباطل عملهم حتى تأصلت فيهم الكراهية والبغضاء فخرجوا على طاعة وليّ الأمر فعصوا أمره ونهيه وخالفوا العلماء والحكماء فلم يستنصحوا بنصحهم وإرشادهم، ثم والوا من لا ولاية له، وغابت عن عقولهم الإيجابية وصفاء الروح.

فكفّروا المجتمع وفسّقوا أهله، ثم استباحوا الدماء ونكّلوا بعباد الله تنكيلًا، فلا ترغيب يزكي أنفسهم ولا ترهيب يقوّم اعوجاجهم فتحول فكرهم ذلك إلى وثن يُعبد «أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تَذَكَّرُون» الجاثية آية(23). ثم ما لبثوا أن دبّت التفرقة بين طوائفهم وتجزأت انتماءاتهم وبواعث حراكهم فأصبحوا شيعاً يضرب بعضهم رقاب بعض كما يشهد لهم واقع حالهم اليوم.

تمتد أصول هذا الصنم الفكري العجيب إلى أزمنة سحيقة من عمر البشرية إلى اليوم الذي قرّر فيه قابيل قتل أخيه هابيل فلم يتريث ولم يراجع نفسه، ولم يفكر في عواقب فعلته، فأصبح من النادمين بشهادة الكتاب الكريم.

كما وجدنا في سجل التاريخ البعيد أنه قبل 70 عاماً من ميلاد السيد المسيح عليه السلام خرجت جماعة يهودية في مدينة رومه تسمى «حاملو الخناجر» كانوا يقتلون الرومان المسيحيين، ويستبيحون دماءهم، ويحرقون ممتلكاتهم، وفي تاريخنا المعاصر يروي لنا مؤرخو الحرب العالمية الثانية قصة «كاميكار» وهم طيارون يابانيون كانوا يصدمون بطائراتهم السفن الأميركية في المحيط كي تتحطم وتغرق في غياهب البحر.

ولا يغيب عن ذاكرة العالم عشرات المجازر والمذابح والترويع والتشريد الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني منذ 1937.

دخلت الحرب الطاحنة في سوريا عامها الخامس، ودخلت فيها قوى ظلامية كبرى تبحث عن مصالح اقتصادية وسياسية، واستخدم المعتدون في هذه الحرب أسلحة دمار شامل وفرضوا حصاراً حديدياً على المدن والقرى والأرياف بدعوى مواجهة المسلحين! فأصبح الشام ميداناً لحرب ضروس بين جماعات الإرهاب وقوى الإرهاب المضاد فتوقفت عجلة التنمية بل واستدارت إلى الخلف.

وتحول السوريون إلى لاجئين في بلادهم يعيشون في خيام على أطراف الحدود مع دول الجوار وركب مئات الألوف من الشيوخ والعجائز والأطفال مراكب مهلهلة فراراً من وحشية الإرهاب وجحيم القنابل والصواريخ والبراميل المتفجرة على رؤوسهم لتمخر بهم تلك المراكب البحار الهائجة والرياح العاتية الباردة لتقذفهم الأمواج على شواطئ أوروبا إما جثثاً هامدة أو أرواحاً بائسة تتخطفها منظمات غير إنسانية، وهكذا استطار الشر بالشعب السوري المظلوم في فواجع ومواجع لا تقل عن فواجع ومواجع الحرب العالمية الثانية.

رغم ذلك كله لا يستنكف الإعلام في الغرب على نعت المسلمين بالإرهاب، وإلصاق صفة الإرهاب بدينهم السمح الحنيف، وعندما استدرك بعض قادتهم وساستهم ما يفعله الإرهاب في جمهورية بالي وبوركينافاسو ونيجيريا وكينيا والصومال والسودان وليبيا وأرض الكنانة والشام وبلاد الرافدين وباكستان وأفغانستان وإندونيسيا عندها أقبل بعضهم على بعض يتناصحون – مهلاً إن القاتل والمقتول مسلم- ليصمت الجميع، وليتسمروا أمام أجهزة التلفاز يشاهدون هذه الدراما العالمية المؤلمة فعلى خطى قابيل يذبح اليوم هابيل... فهل من مدّكر؟؟!!.

Email