بدأ إعطاء أوروبا الغربية الأولوية للنزعة الإنسانية على الحفاظ على الذات في إفراز عواقب مثيرة للانزعاج، فقد ملأت أكثر من 500 امرأة استمارة شكوى للشرطة عقب احتفال رأس السنة في كولونيا في ألمانيا، زعم نحو 40% منهن تعرضهن لاعتداءات جنسية.

وبحسب وزارة الداخلية الألماني فمن بين 32 مشتبهاً فيهم تم التعرف إليهم من قبل أفراد الشرطة هناك 22 طالب لجوء، معظمهم من شمال إفريقيا أو من العرب.

وصل أكثر من مليون طالب لجوء، هم في الأساس من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، إلى ألمانيا العام الماضي. وبالنسبة إلى أي بلاد صغيرة بما فيه الكفاية بحيث من الممكن للمرء أن يجوبها بالسيارة خلال ست ساعات فقط، يرقى هذا إلى ثورة ثقافية وسكانية.

والحجة التي دائماً ما تتردد هي «ماذا يعني مليون من الواصلين الجدد بالنسبة إلى بلاد يصل تعداد سكانه إلى نحو 80 مليون شخص؟»، لا بد من أن تكون هناك مشكلات عندما يكون بعض هؤلاء الواصلين إلى قن الدجاج من الذئاب؟

ماذا يمكن أن يحدث قبل أن تبدأ في دمج الناس الذين لديهم منظور ثقافي مختلف عن المرأة؟ ناهيك عن أن خدمات الدمج التي تعلم الواصلين الجدد المهارات اللغوية الأساسية وآداب السلوك مستغرقة تماماً. ويعتبر تغيير ذهنية شخص تتضارب القيم التي تربى عليها مع نظام البلد الجديد الذي يعيش فيه تحدياً هائلاً.

وفي أعقاب هجمات ليلة رأس السنة، تزايدت شعبية حزب المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بنحو نقطتين مئويتين، وذلك بحسب أحد استطلاعات الرأي، وانخفض عدد الألمان الذين يدعمون وضع حد للهجرة من 72 في المئة في ديسمبر إلى 61 في المئة.

وفي غضون ذلك، يعاني الألمان حالياً من إحباط من سياسة الهجرة، وطردت الشرطة الذين نزلوا منهم إلى الشوارع للتظاهر باعتبارهم من مثيري الشغب، واعتقلت أكثر من 200 شخص في التظاهرات التي حدثت في لايبزغ. ومع قيادة أنجيلا ميركل، المدافعة عن النزعة المحافظة في ألمانيا، لهذا التفكك الثقافي، فإن موجات الإحباط في تزايد.

ويبدو، في هذه الأيام، أن أي أحد يتحدث ضد الهجرة الجماعية يرفض بشكل أوتوماتيكي باعتباره عنصرياً أو مناصراً للسكان الأصليين، إلا أن ذلك تبسيط كبير يمنع حدوث نقاش مفتوح ونزيه بشأن كيف يمكن التعامل مع الهجرة على مستوى العالم.

وفي حال تمكنت الأمم المتحدة من تثقيف الدول الأعضاء بشأن الحاجة إلى تقليل المعاناة العالمية، فيجب عندها أن تكون قادرة على تقديم توصيات لفعل ذلك بطريقة تسمح للأشخاص الذين يعيشون في الدول المتقدمة بالإبقاء على التماسك الثقافي.

نعم، هناك حل ما.

خمن فقط أي دولة استوعبت ربع مليون لاجئ خلال النصف الأول من عام 2015، بحسب المفوضية العليا للاجئين في الأمم المتحدة. لا، ليست الولايات المتحدة، وإنما هي روسيا، التي أخذت أكثر من 300 ألف لاجئ سياسي. إن الدولة التي غالباً ما تصنف بأنها غير ودية تجاه المهاجرين أصبحت منارة للنزعة الإنسانية.

ولكن عندما كنت في موسكو، أخيراً، لم أشعر بإحساس عدم الأمن والتفتت الديموغرافي ذاته الذي غالباً ما أشعر به في باريس.

وتبين أن معظم المهاجرين الذين استقبلتهم روسيا، أخيراً، كانوا من الأوكرانيين. وبالنظر إلى أن وضع أوكرانيا مشابه لوضع روسيا من حيث الثقافة واللغة، فإن الانتقال نحو اللاجئين الأوكرانيين هو تحول واحد سلس نسبياً. ومن الواضح أن تلك ليست حالة اللاجئين السوريين في ألمانيا.

إلا أن أفضل الأحوال هي عندما يندمج اللاجئ مع السكان، فهذا يخفف من عبء الدمج. نعم قد يكون هناك تحيز محلي أو إقليمي تجاه اللاجئين، إلا أن ذلك ليس أمراً غريباً. هناك تحيز بين طبقات الشعب من الأصل ذاته. الناس قبليون بطبيعتهم، ودائماً ما سينظرون بعين الشك إلى الآتي من الخارج. إلا أن مصاعب الاندماج قد تصغر بحيث يصبح من الأسهل الربط بين اللاجئين والبيئات الجديدة.

الحل يكمن في التوفيق بين المهاجرين والدول المضيفة. وبدلاً من أن يحاول قادة دول العالم أن يتغلب أحدهم على الآخر عبر المفاخرة بأيهم سيستضيف مزيداً من المهاجرين، يجب أن يكون هناك تركيز أكثر على أن يناسب الأمر جميع المعنيين. أن تكون بطل الإنسانية لا يعني بالضرورة أن يفضي ذلك إلى انحلال مجتمع يمضي قدماً.