الإمارات والخروج من التبعية التكنولوجية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمثل الحضارة الغربية المعاصرة نموذجاً متقدماً للتطور التاريخي لتراكم إنجازات البشرية. واستطاعت الدول الغربية تحقيق إنجازاتها الحضارية، بعد مسيرة طويلة دامية من المعاناة والنضال الاجتماعي والسياسي والحروب، ومن أهم ما ميزها، استغلالها لثروات الشعوب واستعمارها الطويل لقارات عديدة.

إلا أنه لا يمكننا غض الطرف عن أن هذه الإنجازات التي تحققت، ما كان لها أن تتم لولا اعتمادها على إنجاز تراكم الحضارات السابقة، مثل الحضارات اليونانية والرومانية والإسلامية.

وما كان لها أن تنجز، لو لم تترسخ فيها مفاهيم الحرية والديمقراطية. وتميز بدء عصر النهضة الأوروبية، بإحياء التراث اليوناني والروماني مع ترجمات للتراث العربي، وخصوصاً في الأندلس وصقلية، وشهدت أوروبا بداية اختراعات هامة، قادت إلى ثورة اجتماعية واقتصادية ومعرفية.

وبحلول القرن العشرين، شهد العالم إنجازات واختراعات علمية، شملت مجال الصحة، والتعليم، وفي مجال المعلومات، تم اختراع الكمبيوتر، وتم تشبيك العالم معلوماتياً بشبكة الإنترنت، وتم توصيله فنياً وإخبارياً وثقافياً عبر الفضائيات التي تستخدم الأقمار الصناعية. وفي مجال الاتصالات... إلخ.

ويعيش العرب بسبب هذه المخترعات والمنجزات، كغيرهم من شعوب الأرض، متنعمين بوسائل تسهل حياتهم وتجعلها رغدة. ولا يمكننا إزاء هذه المنجزات، أن نقف موقف التبعية كمستهلكين لها فقط، ولا بد أن يكون لنا دور فاعل في الإبداع والاختراع، وإلا سنظل أمة مستنزفة لمواردها، وتعيش مستهلكة لما يصنعه الآخرون، ونبقى على هامش الأمم المتقدمة.

ولا شك أن الإمارات تسير في خطوات حثيثة للحاق بركب التقدم، ويبدو لنا هذا الأمر واضحاً، من خلال بعض الأمثلة،

قبل ثلاثين عاماً، كان هناك جامعة حكومية واحدة، وجامعة خاصة واحدة في الدولة، والآن أصبح عدد الجامعات والكليات المعتمدة من قبل وزارة التعليم العالي، نحو ثمانين مؤسسة أكاديمية.

تم في دبي إنشاء مؤسسة «الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة»- إياست من قِبل حكومة دبي في عام 2006، لتكون مركزاً متميزاً لعلوم الفضاء والابتكار التكنولوجي. والبحث العلمي في مجال الفضاء، وتصنيع الأقمار الصناعية في الدولة.

وفي يوليو 2014، أعلن صاحب السمو رئيس الدولة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، حفظه الله، عن إنشاء وكالة الفضاء الإماراتية، وهدفها بناء قدرات علمية ومعرفية إماراتية في علوم استكشاف الفضاء الخارجي، وبدء العمل على مشروع لإرسال أول مسبار عربي وإسلامي برحلة استكشافية علمية لكوكب المريخ.

وفي عام 2015، أصدر صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي رعاه الله، قراراً بإنشاء مركز محمد بن راشد للفضاء، وضم مؤسسة الإمارات للعلوم والتقنية المتقدمة - إياست - إليه.

ليكرس المركز جهوده في الأبحاث والمشاريع والدراسات المتعلقة بعلوم الفضاء، بما يدعم توجهات الدولة لتدريب كفاءات علمية وطنية، وسيعمل المركز على الإعداد والتنفيذ والإشراف على كافة مراحل إرسال مسبار الإمارات لاستكشاف كوكب المريخ.

وهكذا تقدم الإمارات نموذجاً عربياً للخروج من مأزق التبعية للحاق بدرب الدول المتقدمة. من خلال إيجاد بيئة مشجعة على البحث والابتكار، والعمل على الاستفادة من تقنيات العلوم وتطبيقاتها، وذلك بوجود قيادة ذات رؤية مستقبلية قادرة على توفير خطط قادرة على بناء إنسان عربي كفؤ قادر على التعامل مع التقنية والتصنيع، للدخول إلى عالم الاختراع والتصنيع، الذي اقتحمته العديد من الدول الآسيوية، التي كان وضعنا في الستينيات أفضل منها بمراحل عديدة.

Email