عن التحرش بأوروبا

ت + ت - الحجم الطبيعي

منذ أيام قليلة سمعنا عن تلك الأخبار المزعجة الآتية من كولون، المدينة الألمانية، ومن مدن أخرى ألمانية ونمساوية وفنلدية، عن قيام مئات من الشباب الذين وصفتهم وسائل الإعلام بأنهم «ذو ملامح شرق أوسطية أو من شمال أفريقيا»، بمهاجمة عشرات النساء والفتيات أثناء احتفالهن برأس السنة الجديدة..

وتحرشهم بهن دون أي حياء، فضلاً عن خطف وسرقة حقائبهن، بل وجاء في الصحف أن فتاتين ألمانيتين في الخامسة عشرة والسادسة عشرة من العمر، جرى اغتصابهما.

وسائل الإعلام في العالم، وفي الغرب خصيصاً، لازالت تندد بهذا العمل الهمجي، والبعيد عن أي شبهة للتحضر واحترام حقوق الإنسان، مما يذكر بما جرى حديثاً في فرنسا من قيام بعض المسلمين المتعصبين بالاعتداء على صحافيين فرنسيين وقتل بعضهم، لأنهم هاجموا الإسلام.

وكذلك ما تنقله الأخبار يومياً عن أعمال متوحشة ترتكبها جماعة داعش، وغيرها من الجماعات الإرهابية ضد من تعتبرهم كفرة لاعتناقهم ديناً آخر غير الإسلام، أو حتى ضد المسلمين الذين لا يطبقون في رأيهم تعاليم الإسلام.

قد تدفع هذه الأخبار الكثيرين منا إلى الرغبة في التواري خجلاً من فرط الشعور بالعار، إذ أننا كلنا تقريباً نحمل «ملامح شرق أوسطية أو من شمال أفريقيا» والنادر منا، وسعيد الحظ، من يكون أبيض البشرة أو أزرق العينين، بحيث يصعب تمييزه عن الأوروبيين. هناك من يعترض قائلاً إن ملامح الشخص ليست دليلاً كافياً على أخلاقه أو مدى تحضره، والمفروض أن الحضارة الأوروبية قد تجاوزت مثل هذه الأفكار.

هذا الاعتراض له وجاهته، ولكن لابد من الاعتراف أيضاً بأن لكل قاعدة استثناء (أو كما قال أورويل في رواية مزرعة الحيوانات: كل الحيوانات متساوية ولكن بعضها متساوٍ أكثر من غيره).

ومن هذه الاستثناءات المهمة - خاصة منذ أن سيطر الصهاينة على وسائل الإعلام-، العرب والمسلمون، فهم، لسبب أو لآخر لديهم نظرة إلى النساء تختلف عن نظرة غيرهم، وهم أكثر استعداداً للتحرش بهن بالمقارنة بغيرهم من الشعوب. بل وقد يكونون أكثر عدوانية حتى من الأميركيين الذين ينشرون من الإحصاءات بين الحين والآخر، ما يدل على كثرة أعمال العنف المنافية لاحترام حقوق الإنسان.

هناك أيضاً من يقول إن هذا التشهير الواسع النطاق ليس إلا آخر مثل من أمثلة التشهير بالعرب والمسلمين في السنوات الأخيرة، والذي بدأ في أعقاب سقوط الشيوعية وانتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الرأسمال والشيوعي.

إذ يرى البعض أن خطر الإرهاب ليس إلا اختراعاً جديداً رآه الغرب ضرورياً، بعد زوال الخطر الشيوعي، لاستخدامه كمبرر لأشياء كثيرة ضرورية، كاستمرار التسلح، وتجارة الأسلحة، بل وحتى لتخويف الشعوب الغربية نفسها حتى تكون على استعداد لأن تقبل من السياسات ما لم يكونوا ليقبلونه لولا الخوف... الخ..

وأن إلصاق تهمة الإرهاب بالمسلمين والعرب يؤدي وظيفة إضافية لصالح إسرائيل، ومن ثم قد يرى هؤلاء في تضخيم وسائل الإعلام الغربية لأحداث كولون الأخيرة، من تحرش بالنساء البريئات مجرد مثال جديد يضاف إلى أمثله كثيرة لتشويه سمعة العرب والمسلمين.

كل هذا مفهوم، ولكنه بالطبع غير مقبول، ولقد خطر لي كل هذا لدى سماعي بأخبار الأعمال الهمجية التي ارتكبت في كولون بألمانيا، مما أدى إلى تقديم شكوى من أكثر من خمسمائة امرأة ألمانية لما تعرضن له في ليلة رأس السنة: تحرش جنسي، وجرائم سرقة... الخ.

ثم شعرت بأن ما حدث له مغزى أهم من هذا كله، أي أهم من اعتباره مجرد اعتداء من مجموعة من الشباب غير المتحضر، على بعض النساء والفتيات الأوروبيات البريئات، إذ شعرت بأن ما حدث يمثل صداماً درامياً ومستمراً بين حضارتين أو ثقافتين، لا ينتظر أن يكون له حل سهل أو قريب. فالمشكلة أشد عمقاً.

 

Email