نحن والآثار

ت + ت - الحجم الطبيعي

تمتلك بلادنا من المحيط إلى الخليج تاريخاً حافلاً لحضارات متعاقبة معه، إذ امتلكت بلادنا ثروات من الآثار، التي استطاعت أن تصمد مع عوادي الزمن، وهي ثروة ملك التاريخ والبشرية جمعاء.

وللأسف تم استهداف الآثار في المنطقة العربية بأكثر من طريقة، فمنذ حملة نابليون بونابرت على مصر توالى الغرب على نهب الآثار من المنطقة العربية، التي نجدها في متاحف لندن وبرلين وباريس، وكذلك قام لصوص الآثار بسرقتها وبيعها وتهريبها..

وخلال الغزو الأميركي لبغداد فقد تم اجتياح المتحف، وتم سرقة آلاف القطع الأثرية وبيعها، وقامت داعش بتدمير مبرمج للآثار، والمساجد، والأضرحة في العراق.

بقيت آثار تدمر في سوريا شامخة تمثل حضارات البشرية في مراحلها المتعددة، منذ زنوبيا ملكة تدمر، وحتى يومنا هذا، وعند استيلاء داعش على تدمر فإن العالم كله وقف مستنكراً ما فعله داعش بهذا التراث الإنساني الجميل.

السؤال لماذا يقوم أناس باغتيال شواهد التاريخ ومعالم الحضارة؟ لقد تمت الفتوحات الإسلامية ولم نقرأ في تاريخها أن المسلمين قد أزالوا شيئاً من شواهد التاريخ، ويكفينا قصة عمر بن الخطاب حينما دخل بيت المقدس، ورفض الصلاة في كنيسة القيامة حفاظاً عليها، وخوفاً من أن يتخذها المسلمون بعد ذلك مكان عبادتهم.

لقد تركنا آثار حضارة زاهرة في الأندلس، ولم يقم الإسبان بتدميرها، بل إنهم يفتخرون بها باعتبارها جزءاً من تاريخهم.

نكرر السؤال لماذا نحن العرب نجد من بيننا من هم أشد عداء للحضارة، ومن هم لا يقدرون قيمة الآثار وأهميتها العلمية والحضارية، أولئك الذين يريدون أن يمسحوا معالم التاريخ وكأننا نعود إلى نقطة الصفر؟!

قال لي صديق يعرف اللغة التركية: إن كلمة خرابات بالتركية هي المرادف للآثار بلغتنا، وتساءلت ساخراً هل هذا ما أخذناه منهم خلال الفترة العثمانية، وهل لأن الآثار هي خرابات ومن ثم فعلينا إزالتها، ولماذا نأسف عليها إذاً؟

اعتقد أن الموقف من الآثار يتمثل بأبعاد عدة أولها بعد تربوي ثقافي، والثاني بعد سياسي وأيدلوجي.

في البعد التربوي والثقافي لم ينشأ أطفالنا على تقدير الآثار وزيارة المتاحف، والتعلم عن تاريخ بلادهم بزيارات لمواقع الآثار فيها.

وفي البعد السياسي والأيدلوجي لقد دأبنا على التعود على عدم الاعتراف بالآخر ومنجزاته، ودأبنا على اغتيال شخصية الغير، فما بالك حينما يكون الذين يقترفون جريمة مسح الآثار وتدميرها ذوي أيدلوجية سياسية تكفيرية، ويقومون في تفسير الدين والتاريخ بطريقة لا عقلانية..

ويقومون بتقطيع الرؤوس وحرق الناس أحياء، وسبي النساء وبيعهن، ويعملون على تفجير كل شيء في المجتمع ابتداء من بناه الفكرية، ومروراً ببناه الاجتماعية، وانتهاء بتحطيم بناه السياسية وشواهده التاريخية، وتقطيع الرؤوس، ليؤكد أن ما نشاهده اليوم هو نزعة أقرب إلى شهوة الموت وتدمير الذات.

هكذا إذاً يتم تدمير آثارنا وتدمير تاريخنا، ليؤكد من يقومون بذلك أنهم يقترفون جريمة ضد تراثنا، وضد الحضارة الإنسانية.

 

Email