محمد بن راشد والدعوة إلى القراءة

ت + ت - الحجم الطبيعي

من المعروف أنه مهما تلقى المرء منا من مناهج في الدراسة الأكاديمية في دور العلم كالمدرسة والمعهد والجامعة وما شابه ذلك، تظل معارفه محدودة وتتجمع في حلقة دائرية غير واسعة، وقد تصاب بالانكماش كلما مر وقت من الزمن، إذا لم يتسن لهذا التجمع المعرفي الناتج عن الدراسة الأكاديمية منسماً يتنفس منه أكسجين الهواء ويوفر لنفسه الغذاء الذهني الذي يقيم أود ذهنه أو صلبه.

ليس هناك سبيل لتوفير هذه العناصر المهمة إلا بالخروج من المنهجية التي من الجائز أن يكون الزمن قد عفا عليها، لأن الاكتشاف العلمي والمعرفي ما انفك يتوالى ويتجدد بسرعة غاية في التناهي.

هذا في العلوم التطبيقية من طب وهندسة وعلوم تقنية أخرى، ناهيك عن العلوم النظرية في السياسة والاقتصاد والاجتماع التي هي في حركة تغييرية دائمة حسب الظروف المعيشية في ماضي الإنسان وحاضره، ومن يظن من دارسي علوم السياسة والاجتماع والاقتصاد أن معارفه ثابتة ويزعم أنه يُلم بما لا يدركه الآخرون، فإنه في حقيقة الأمر هو الذي ينقصه العلم.

وهنا يثار سؤال، كيف نفعل لكي نستزيد من المعارف ولا يفوتنا ما يتجدد وما يبتكر من فكر ونظرية حول العالم، والجواب يتركز بالدرجة الأولى في مترادفة هي في الحقيقة جملة كاملة مفيدة، هي القراءة، فعلينا بها لأن عليها المعوّل، ومنها نستزيد ونغترف المعرفة.

ومن حسن الطالع أن راعياً يقف اليوم في الصفوف الأمامية مع كبار زعماء العالم المتمدن، وعرف هذا الراعي قيمة القراءة، ومنافعها، وما تضيف الى فكر الإنسان وذهنه من العلم والمعرفة، وهذا الزعيم المعماري البنّاء هو محمد بن راشد الذي يتميز بالعقلية الابتكارية في البناء والتعمير بالذهن المتوقد في تلقي الثقافة والزاد الدسم من المعرفة، وكل ذلك أتاه منقاداً بفضل القراءة.

ومن يجالس الشيخ محمد بن راشد يشعر بأنه أمام إنسان شغوف بالقراءة والاطلاع، وهاتان الخصلتان منحته من المعارف ما جعلته ليس زعيماً في الإدارة والحكم وحسب، بل رائداً في الثقافة والمعارف أيضاً، ودليل ذلك ما يطرحه محمد بن راشد في ساحة الثقافة والفكر، ومنها الكتابان رؤيتي، وومضات من فكر..

وفي هذين الكتابين يتجلى فكر محمد بن راشد وثقافة محمد بن راشد وسعة اطلاعه، وهنا نعود لنكرر إن هذا المكسب الغنيّ جاءه عن طريق القراءة وجعلته مضرب المثل في سعة المعرفة والابتكار والإنشاء والتعمير.

وأعود مرة أخرى الى بداية هذا الحديث عن الدراسة المنهجية التي أشرنا إليها والتي يتلقاها طالب العلم، لأقول إن هذه المنهجية تعطي من يتخرج على أيديها مفتاحاً يلج به باب الحياة ويختبر شؤونها وشجونها ومعتركها بنظرة معرفية، وإذا لم يتجاوز عتبة الباب ويلج إلى الداخل سائحاً في الميادين والمجاهل مطلعاً ومكتشفاً، فإن ذهنه يظل في مكانه ضمن دائرة محدودة وقد يعلوه الجمود.

وإنّ أيسر طريق الى الاكتشاف وتنمية الذهن، هي القراءة، قراءة ما إنتجته عقول أهل العلم وأهل المعرفة.

ومن الضروري أن نعلم أنه ليس هناك كتاب أو نشرة نقرؤها، بلا منفعة، مهما كان تقييمنا للموضوع الذي يحملانه، فهما أي الكتاب والنشرة عصارة فكر الكاتب، وقد تأتينا منها منفعة معرفية بين سطور ما نقرأ من حيث لا نشعر، حتى المعلومة التي لا تعجبنا أو نعترض عليها، قد تستفز فينا مَلِكةُ النقد والتقييم، وهما أي النقد والتقييم الأدبيين، من أعلى درجات الكتابة الأدبية المفيدة.

وأشير مرة ثانية إلى كتابات محمد بن راشد وإلى أحاديثه لنجد التحليل والنقد الموضوعيين في أمور كثيرة تتناولها هذه الكتابات والأحاديث، ونحس خلال ما نقرؤه أن هذا النقد والتحليل نابعان من خبرة وتجربة منبعهما الثقافة الواسعة التي أتت كما قلنا من القراءة لإنتاج الأدباء والشعراء وغيرهم.

وفي ختام مقالي هذا أرجو أن يسمح لي المشتغلون بأمور الإدارة، وبالذات أولئك الذين يدّعون الاختصاص المعرفي أن ينكّبوا ما وسعهم الأمر على القراءة، ومن المؤكد أنه لن يمر وقت طويل حتى يجدوا أنفسهم في سعة معرفية لم يكن لهم عهد بها، وقد سرني خبراً قرأته، أن بلدية دبي طلبت من موظفيها أن يقرأوا خمسة آلاف كتاب خلال خمسة أشهر.

وهذه ظاهرة حضارية تُحمد للبلدية وللقائمين عليها، والفضل في هذه الظاهرة الجميلة يعود أيضاً إلى الشيخ محمد بن راشد، الذي جعل عامنا هذا، عام القراءة، فالناس كما يقول المثل، على دين ملوكهم.

*

Email