العنوان لم يحترق

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الوقت الذي كانت فيه جهود رجال الدفاع المدني في دبي تقترب من إطفاء الحريق الذي شب في فندق «العنوان» ليلة رأس السنة الميلادية، كانت ألوان علم دولة الإمارات العربية المتحدة تضاء لتزين «برج خليفة»، البناء الأعلى في العالم، معلنة نهاية عام وبداية عام جديد، وكان مئات الآلاف من المواطنين والمقيمين والسياح يحتشدون في المنطقة المحيطة بالبرج.

حيث يقع الفندق، للاحتفال بهذا الحدث، جرياً على عادتهم كل عام، واثقين بقدرة رجال الدفاع المدني وكفاءة رجال الأمن، مفسدين على الحاقدين والشامتين فرصة التشفي وبث الأقاويل والشائعات، والتشكيك في قدرات أبناء هذا الوطن، وقدرتهم على توفير الأمن والسلامة لأهله وكل المقيمين على أرضه.

لماذا أصرت دبي على الاحتفال برأس السنة الميلادية دون خوف ولا مغالاة في الإجراءات الأمنية، في الوقت الذي سيطر فيه الرعب على بعض الدول الغربية، فألغت بلجيكا، على سبيل المثال، احتفالاتها، وأخلت ألمانيا محطتين رئيستين من محطات قطاراتها، وقامت بإجلاء المسافرين منهما، واستدعت الفرق المختصة بالتعامل مع المتفجرات، خوفاً من عمليات إرهابية، وأحاطت نيويورك ساحة «تايمز سكوير» بالبوابات الإلكترونية، ونشرت فيها الكلاب المدربة، واستدعت فرق مكافحة الإرهاب.

وأخضعت الحضور لإجراءات تفتيش مشددة، ومنعتهم من مغادرة الأماكن المخصصة لمشاهدة الاحتفال، دون المرور بالإجراءات نفسها مرة أخرى؟، أسئلة طرحت نفسها يوم الخميس الماضي، والعالم يشاهد إصرار دبي على المضي في الاحتفال، وبث الفرح في نفوس أبناء الإمارات والمقيمين على أرضها، بعيداً عن التعصب الديني الذي ليس له مكان على أرض دولة الإمارات وبين أهلها، لأن الإمارات دولة تأسست على التسامح والاعتدال والمحبة، وانتهجت نبذ التطرف والتشدد، أيّاً كان نوعه أو مصدره.

لقد كان تعامل دبي مع الحريق الذي نشب قبل ساعات قليلة من الاحتفال، شفافاً وهادئاً، وضعه في حجمه الحقيقي، ولم يترك مجالاً للشائعات والادعاءات والمزايدات، ولا لصب الزيت على النيران وإشعالها، فلم تبادر السلطات إلى إخلاء المنطقة كلها من الجموع التي احتشدت لمتابعة الاحتفال.

وإنما أبعدت الموجودين منهم في محيط الفندق، حفاظاً على سلامتهم، ولم تفرض تعتيماً إعلامياً على الحادث، بل سمحت بنقل الحدث على الهواء مباشرة للقنوات التلفزيونية التي كانت طواقمها موجودة في مكان الاحتفال.

وفتح المسؤولون في الشرطة والدفاع المدني والمكتب الإعلامي والإسعاف صدورهم لكل وسائل الإعلام التي قامت بالتواصل معهم، فتحدثوا بكل شفافية، وأجابوا عن كل الأسئلة، غير مقللين من حجم الحادث، ولا مبالغين في تصوير تأثيره في سير الاحتفالات في المنطقة المحيطة ببرج خليفة.

حيث الحدث الذي كان ينتظره العالم أجمع بلهفة، لمعرفته بقدرة دبي على الإبهار وتقديم الجديد، وكان الجديد هذا العام، ليس الإبهار في عروض الاحتفال فقط، وإنما الإبهار في التعامل مع حادث مثل هذا، في توقيت محرج مثل الذي حدث فيه، في ظروف أشد حرجاً، مثل الظروف التي يمر بها العالم، وهو يتعرض لإرهاب يضرب في كل مكان، ويسرق الفرح من قلوب البشر أينما كانوا.

هل كان هذا غريباً على دولة الإمارات بشكل عام، وعلى دبي بشكل خاص؟

لم يكن هذا غريباً على هذا البلد وقادته وشعبه إطلاقاً، فقد ضربت دولتنا أروع الأمثلة في الصمود والتصدي لكل أشكال الإرهاب والتطرف، ورفضت تحويل أرضها إلى ساحة للصراعات السياسية والطائفية والمذهبية، وأحبطت الكثير من المحاولات لزعزعة أمنها، وتهديد استقرار مواطنيها والمقيمين على أرضها.

ووقفت سداً منيعاً أمام كل الذين حاولوا نقل معركة التطرف إلى ساحتها، أو جر أبنائها إلى ساحة تلك المعركة التي تهدف إلى تمزيق الوطن والأمة، وبث الفرقة بين أبنائها، وتحقيق مصالح جماعات متطرفة ذات أهداف مشبوهة، فشلت في تحقيق تلك الأهداف في بلدانها، فسعت إلى تصدير أفكارها إلى بلدنا، وظنت واهمة أنها ستجد في هذا البلد أرضاً رخوة تستطيع أن تثبت فيها أقدامها.

لكنها وجدت أرضاً صلبة لم تستطع أن تخترقها تلك الأقدام المرتعشة، ووجدت رجالاً أشداء يقظين، لم تستطع أن تفلت من قبضتهم، فأسقط في يدها، وخاب مسعاها، ولم تجد أمامها سوى بث الشائعات والأراجيف، وحتى هذه لم تجد لها أرضاً خصبة في دولة الإمارات، حيث وأدتها الشفافية التي تعاملت بها سلطات الدولة معها، والصراحة والمصداقية اللتان واجهت بهما السلطات كل محاولات تزييف الحقائق، وتحميل بعض الحوادث أكثر مما تحتمل.

كيف تعاملت دولة الإمارات مع حادث كان يمكن أن يتحول في دولة أخرى غير الإمارات إلى كارثة، وكيف واجهته، وكيف تجاوزته لتمضي في إكمال احتفالها، في وقت كانت فيه الأضواء كلها مسلطة عليها، وكل وسائل الإعلام بأشكالها المختلفة مفتوحة على ما يجري في دبي.

هذا هو الفصل الذي يجب أن يُدرَّس في مناهج إدارة الأزمات، لأنه أثبت أن دولة الإمارات قد حققت مركزاً متقدماً في مجال التعامل مع الأحداث الطارئة، وفي كيفية تجاوزها للوصول إلى خط النهاية، عندما تكون هناك أهداف مرسومة ومحددة، وإن كان خط النهاية في مفهوم الإماراتيين، ليس هو نهاية المطاف، وإنما هو نقطة لبداية جديدة، فالذين يعشقون البدايات، لا يؤمنون بأن هناك نهايات لطموحاتهم وأحلامهم ورؤاهم، وهذا هو ما تؤمن به دبي، التي هي عنوان للطموح والنجاح والتألق.

لذلك نقول، إن العنوان لم يحترق، الذي احترق هو قلوب الحاقدين أصحاب النفوس المريضة والنيات السيئة والغايات الدنيئة.

Email