اختطاف الإسلام يشوه صورتنا

ت + ت - الحجم الطبيعي

العنوان يبدو صادماً، لكنه ليس جديداً، وهو يشير إلى ظاهرة تاريخية تفاقمت منذ عقد السبعينيات من القرن الماضي، ومفادها أن المنظمات السياسية الإسلامية، وبعض آحاد الناس، يسعى كل منهم إلى احتكار النطق باسم الحقائق الإسلامية، العقائد والطقوس والقيم الفضلى، وتوظيف فهمه الأيديولوجي وتوظيفاته السياسية، بوصفه هو الإسلام الصحيح.

ومن ناحية أخرى، اعتبار من هُم خارج هذه الدائرة، يدورون بين أوصاف التحريف والغلو والتطرف والانحراف عن الصراط الإسلامي المستقيم، أو نعت الآخرين بالكفر. من هنا، استخدم بعض الباحثين تعبيرات، من قبيل اختطاف الإسلام، أو الإسلام في الأسر، أو إسلام ضد إسلام، وفق الصادق النيهوم، وفي مواجهة هذه الظاهرة المستمرة التي حملت معها تشظي وانقسامات ونزاعات بينية داخل بنية الإسلامي السني الأكثري، ظهرت عديد الدعاوى إلى تحرير الإسلام من أصحاب المشروعات السياسية، الذين يوظفون الإسلام على نحو اجتزائي وانتقائي، أو بناءً على شعارات عامة وغامضة، من أجل تمرير وتسويغ مشروعاتهم السياسية حول السلطة والثروة والحكم.

تجلت ظاهرة اختطاف الإسلام من قلب عمليات تقديس الماضي وتدنيس الحاضر العربي الإسلامي، من خلال آلية ذهنية ترمي إلى نزع هذا الماضي من سياقاته التاريخية والثقافية والفكرية والاقتصادية.

كل توظيف للإسلام في مشروع سياسي دهري محكوم بسياقاته الزمانية والمكانية، وبمصالح وأهداف محددة، ومن ثم، هو توظيف يعلي من شأن تعميماته فوق الزمان والمكان وأسئلة البشر، ويعيد طرح أسئلة الماضي وإجاباته وفتاواه وخطاباته الوضعية المقدسة.

إن تحليل خطابات هذه المنظمات الإسلامية السياسية ذات التوجهات العنفية والإرهابية، يشير إلى أن طروحاتها حول الإسلام، تتسم بعديد من السمات يمكن طرح بعضها في ما يلي، أولاً، غلبة التأويل الديني الوضعي على المقدس من خلال اقتطاع التفسير عن زمنيته ومكانه، وظروفه المحيطة، وموقعه من أعمال وتفسيرات وتأويلات المفسر أو المؤول، وما إذا كان فقيهاً أو مفتياً أو داعية، وعدم فهم التمايزات والتداخلات بين الوظائف الدينية للمفتي، وشارح السيرة النبوية المشرفة، والداعية، أو مفسر النص المقدس والمتعالي بتنزيهاته وعلوه عن البشري والوضعي.

ثانياً، نزعة الهروب من مواجهة تحديات وأسئلة وهموم وتعقيدات الحاضر الإسلامي العربي في كل بلد من البلدان في الإقليم العربي، إلى بعض من الماضي المقدس، لدى هؤلاء، أي إلى سياق تاريخي إسلامي، يتم من خلال هذه الآلية الذهنية، اقتطاعه من سياقاته وظروف إنتاج هذا الرأي أو ذاك في مسألة من المسائل الإسلامية، التي أثيرت في الماضي، والرأي أو الإفتاء حولها، والمرتبط بهذه الظروف والشروط والسؤال أو الأسئلة في إطارهم.

إنها نزعة تجزيئية للإنتاج الفقهي أو الإفتائي الوضعي لهذا الفقيه، أو ذاك، ومن ثم، تحويل رأي الفقيه أو شراحه على المتون، أو الحواشي على الحواشي، إلى نصوص معصومة عن الخطأ، ويغدو رأيهم الخارج من أحجبة الماضي، وكأنه موضعاً لتقديس هذه المنظمة الإسلامية السلفية الجهادية، أو تلك من نمط القاعدة وداعش، والمرابطون والسلفية الجهادية في بلدان المغرب العربي، ونظائرهم وأشباههم.

ثالثاً، كل جماعة تستعير نصوصها الإفتائية وشروحها على الحواشي، وتجعلها مركزاً لتسويغ شرعية أعمالها من الوجهة الأصولية، وتسند المسؤولية الدينية على هؤلاء الفقهاء.

المسؤول هنا هو صاحب الرأي والفتوى، في تاريخ الفقه الإسلامي، عن مشروعية هذا العمل الذي يقترفونه، وليس مرتكبي هذا العمل الوحشي الدموي، ومخططيه ومنفذيه، إنها آلية ذهنية ونفسية ترمي إلى إشاعة الطمأنينة، ونفي الشعور بالإثم الديني، وإحالته على الفقيه والمفتي.

رابعاً، إقامة الحدود بين المنظومة /‏ البنية الفقهية المستعارة من الفقه القديم، وبين غيرها من المنظومات الفقهية السياسية الجهادية، وتحويلها إلى أيديولوجيا سياسية، وذلك لبناء التمايز بينها وبين غيرها من السلفيات الجهادية، في ظل تبعية مفتي الجماعة وفقيهها إلى رئيس التنظيم أو أميره ، ومن ثم اعتماد التنظيم في عملياته الإرهابية، الاستشهادية في منظورهم، على تسويغات المفتي.

ليس هذا فحسب، بل في تنظيم التوجهات العامة للتنظيم داخله، وفي تراتبيته القيادية، وفي إدارته للحياة اليومية في المناطق التي يسيطر عليها.

خامساً، النزعة التكفيرية المعيارية التي تشرع القتل لذوي الآراء المخالفة في ما بين المسلمين ذاتهم، أو إزاء ذوي الأديان الأخرى، المسيحية واليهودية أو البوذية أو الهندوسية أو البهائية، وسواهم من الأديان غير السماوية. وثمة استسهال في إطلاق أحكام التكفير على المغايرين في الرأي أو المذهب، على نحو ما يتم إزاء الشيعة.. إلخ.

إن ظاهرة اختطاف الإسلام، هي التي تجعل صورنا وعقائدنا وطقوسنا لدى الآخرين مشوهة ومشبعة بالكراهية والعداء لكل ما هو إنساني في عالمنا، وهو أمر يحتاج إلى مراجعات في العمق لتاريخنا الفقهي والإفتائي والفكري الوضعي. وللحديث بقية

Email