عن البرامج الحوارية في الفضائيات

ت + ت - الحجم الطبيعي

أفسحت الفضائيات المجال للحوارات المفتوحة، وكان لبعضها الفضل في هذا، وحينما ابتدأت بعض القنوات برامجها جاءت في لحظات كان الإنسان العربي قد فقد فيها المقدرة على الحوار مع الآخرين، بل والمقدرة على الحديث مع نفسه، خشية أن يسمعه أحداً أو يشي به.

حينما تكون حرية الرأي وحرية التعبير مفقودتين يصبح الحوار الصريح سبيلاً لإطفاء الظمأ المتعطش للاستماع إلى الرأي الآخر، ولذلك جاءت البرامج الحوارية كمن يرمي حجراً في بركة ساكنة، لقد بدأت الحوارات الساخنة تشغل الناس، وتحرك هذا الجو الساكن الذي كان يعيشه الإنسان العربي، وهو يحلم بحقه في التعبير، والمقدرة على ممارسته.

وابتدأ الناس يتابعون البرامج الحوارية بشغف، وخصوصاً أنها حاولت الاقتراب من قضايا كان الحوار فيها محظوراً، وصار الناس يسمعون أصواتاً تعبر عما لا يستطيعون التعبير عنه. وناقشت هذه البرامج موضوعات سياسية واجتماعية وفكرية، واقتربت في بعض الأحيان من مناقشة المحظورات.

لقد لاحظ اتحاد الإذاعات العربية في تقريره لعام 2014 أن الأخبار وخاصة البرامج الحوارية عرفت تطوراً كبيراً ضمن الخريطة البرامجية لعديد الفضائيات العربية بفعل اهتمام المشاهد العربي بالأوضاع المأساوية الجارية في عديد البلدان، ومنها سوريا والعراق ومصر واليمن وليبيا وتونس. وأن هذا الواقع كان لصالح بعض الفضائيات العربية، إذ إنه يسهم في تخفيض كلفة البرامج.

لكن هل استطاعت البرامج الحوارية أن تقدم فرصة حوار حقيقي، ما يسهم في التنمية السياسية أو الفكرية، وهل قادت إلى الوعي الحقيقي لدى المواطن العربي في القضايا المطروحة على بساط الحوار، وهل ساعدت الجمهور في المشاركة الفعالة في الحياة السياسية، وهل قدمت الحوارات أفكاراً ساعدت في المساهمة في حل مشكلاته؟

في الواقع أن ما تحقق شيء مختلف، فعلى الرغم من أن البرامج تظهر أنها تفسح المجال لاستقبال الآراء دون تدخل من المحطة الفضائية، إلا أن الواقع غير ذلك، فالفضائيات تختار المتحاورين، من خلال أشخاص ترى أنهم يحققون أهدافها، بل وتقوم كذلك باختيار المتداخلين في الحوارات عبر الاتصالات الهاتفية المرتبة مسبقاً، وهكذا يتم محاصرة الاستماع إلى آراء الناس، والتعرف على الرجع الحقيقي للرأي العام.

لعل الرجع الصادق، الذي يمكن اعتماده هو الذي يتمثل في تلك المداخلات التي تتم عبر الفاكس أو الإنترنت والقليل من المساهمات التي يشارك فيها بعض الناس العاديين، وليس كل ما يصل الفضائيات من آراء يتم عرضه على الجمهور، فهناك شخص مهمته غربلة وتنقية ما يصلها من آراء، وبحيث لا تتجاوز حدود أهداف البرنامج ومصالح المحطة المتداخلة، وقيود الزمن المتاح.

لا شك في أن البرامج الحوارية مهمة، وهي شكل فني ذو طابع درامي، كما أنها تحمل صراعاً بين أفكار، ولكن قيمتها الثقافية محدودة، إنها تثير الغبار ولكنها لا تترك آثاراً.

فمن يتابع برامج الرأي الحوارية، فليبحث عن برنامج واحد، يقوم فيه مقدم البرنامج بإتاحة الفرصة لمتحاورين من رأيين مختلفين لعرض وجهات نظرهما بأريحية كاملة، ويستطيعان فيه عرض آرائهما بتقديم وجهة نظر متكاملة حول موضوع واحد، ومن دون أن يكون المتحاورون محاصرين بمقدم البرنامج وبعامل الوقت.

لقد اعتدنا أن نتابع هذه البرامج ولدينا فرحة خفية كمن يتابع صراع الديكة أو صياحها دون هدف، أو بالأصح دون الوصول إلى هدف، اللهم احمنا من صراع أفكار لا يولد أفكاراً جديدة، ولا يوصلنا إلى فكرة واضحة سليمة. اللهم احمنا من لعبة الحوارات غير الناضجة.

Email