20 سعودية تدشن تاريخاً جديداً للمرأة في المملكة

ت + ت - الحجم الطبيعي

حتى قبل سنوات بسيطة، الحديث عن انتخابات في السعودية ومشاركة المرأة تصويتا وترشيحا كان يعد ‫نوعا من المبالغات. التاريخ يتغير وهناك شكل جديد للمجتمع السعودي. المرأة السعودية تدخل المجالس البلدية عضوا، وذلك على بناء انتخابات شارك فيها الرجل والمرأة. وأفرزت النتائج فوز عشرين سيدة سعودية بالعضوية في مناطق مختلفة. هي خطوة اهتمت فيها الصحافة العالمية وحضر عشرات الإعلاميين الأجانب لرصد هذه الانتخابات، وتمت بشفافية عالية، وراقبتها منظمات المجتمع المدني التي أبدت رضاها عن سير العملية الانتخابية.‬

الخطوة هذه تأتي تكاملية مع قرار تعيين ثلاثين سيدة سعودية كأعضاء في مجلس الشورى، وهي تعد من النسب العالية على مستوى في المجالس البرلمانية. وقدم عضوات الشورى صورة متقدمة لدور وفعالية ومشاركة المرأة، ولم يكن حضورها شكليا بل كان لهم مساهمات مهمة وفي جميع الملفات.

وهناك أمران في هذا الموضوع، الأول وهو أهمية وجود المجالس البلدية وثقافة الانتخاب، وترسيخا على مستوى شرائح المجتمع فهي تعني أننا نحترم رأي الأغلبية، وأننا إذا اعترضنا كأفراد ووافق المجموع فإن مفهوم الديمقراطية احترام رأي الأغلبية. وهذا الكلام النظري كان المحك له هو التطبيق العملي في الانتخابات البلدية. وليس سرا أن هناك أفراد يرفضون فكرة دخول المرأة كعضو في المجالس البلدية، ولكنهم في الإطار العام تقبلوا هذه النتيجة لأنها مبنية على مشاركة شعبية كاملة.

إن هذا التأثير له أهمية كبيرة، ليس فقط بشكل المباشر وهو وجود أعضاء وكفاءات فاعلة في المجالس البلدية‫،‬ بل هو أيضا تأكيد بعد ثقافي مهم في المجتمع. وتعليم الناس صيغة التعايش والتوافق رغم الاختلافات التي تكون موجودة في أي مجتمع. حينما يتعلم النشء في مختلف الأعمار هذه الثقافة، ويرى النتائج كواقع، ويكبر على ثقافة منفتحة تحترم الاختلاف وتنظر للقواسم المشتركة، فإننا نضمن مجتمعا صحيا ومتماسكا‫.‬ ربما الرسالة الاجتماعية والثقافية في هذه الانتخابات تتجاوز اطار موضوع المجالس البلدية بذاته.

والأمر الثاني، وهو تطوير نظام المجالس البلدية. ففي الحقيقة النظام السابق للمجالس البلدية لم يعطها فرصة كافية لتمارس دورا فاعلاً، وكان يعيبها أن صلاحياتها محدودة. بينما النظام الجديد أعطى للمجالس صلاحيات إقرار الخطط والبرامج البلدية الخاصة بتنفيذ المشروعات البلدية المعتمدة في الميزانية، وصلاحية إقرار مشروع ميزانية البلدية وممارسة سلطاته الرقابية على أداء البلدية‫.‬ وهذا يعنى أن هناك دورا رقابيا مهما وربما الحوادث التي حدثت في بعض المناطق نتيجة الأمطار كشفت عن أهمية السلطات الرقابية، ليس فقط من المرجعيات الحكومية، بل حتى من الجمهور من خلال المجالس البلدية،‬ الدور الرقابي مسؤولية مشتركة بين الحكومة والمواطن‫.‬

وتعطي هذه المؤشرات رغبة القيادة السعودية في دعم المرأة وإعطائها كامل حقوقها‫، وهي مسألة لا تختصر في تمثيل مجلس الشورى أو المجالس البلدية، بل هناك قرارات في نظام الأحوال المدنية أعطت للمرأة حقوقا مقننة وأساسية‫، وكذلك في ممارسة الأعمال التجارية وتمثيل نفسها بنفسها بدلا من وكيل ينوب عنها‫.‬ وتأتي هذه ضمن مجموعة من الإصلاحات التي تقوم بها الحكومة السعودية حاليا‫.‬ وبالتأكيد هناك كثير من القرارات التي ينتظر أن يتم الإعلان عنها قريبا‫.‬

التطور الاجتماعي الذي حصل في السعودية، ونجاح المرأة السعودية في المجالات العلمية، وهذا العدد من السعوديات الجامعيات سواء من الداخل أو الحاصلات على شهادات من أفضل الجامعات العالمية، يعطي معطيات جديدة تتطلب مواكبتها بقرارات مهمة وفي نفس الوقت يتقبلها المجتمع‫.‬

هناك رغبة واضحة عند الحكومة في دفع هذه العجلة الى الأمام بشكل لا يخلّ بالثوابت الدينية التي تلتزم بها المملكة السعودية.‬ ولكنها من الواضح أنها تتبنى حاليا مشروع تطوير مجتمعي يعطي فرصة للبناء والمشاركة والإبداع، دون أن يتعارض ذلك مع الثوابت الدينية‫.‬ والسعودية كدولة لديها إمكانات ضخمة سواء بشرية او اقتصادية، والنسبة الأكبر من سكانها تحت عمر الثلاثين، وهذا يعطي فرصا ولكنه يفرض تحديات‫.‬ ولذلك تتجه الحكومة الى تفعيل القطاع الخاص وإعطاء الفرص وفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية‫.‬

من هنا، تكون مشاركة الكفاءات البشرية التي استثمرت فيها مبالغ طائلة سواء من خلال التعليم داخل السعودية أو الابتعاث مهمة ومحورية في تنمية البلد‫.‬ إن رأس المال الحقيقي لأي بلد ليس الثروة الناضبة، بل هي الكفاءات البشرية التي ذاتها تعتبر عنصر استقطاب للشركات الأجنبية للدخول في أي بلد.‬ ومن هناك تأتي أهمية بناء ثقافة الإنتاجية واحترام الكفاءات البشرية بغض النظر عن جنس الفرد ذكر أو أنثى بل الكفاءة هي المعيار المهم‫.‬

ربما الانتخابات البلدية أعطت هذه الرسالة بوضوح‫، فهي ليست فقط مؤشرا سياسيا بل هي معيار اجتماعي لتغيير نوعي في ثقافة المجتمع والاهتمام بالكفاءات وتقبل سياسة الاختلاف واحترام التنوع الفكري‫.‬

Email