مقال

الدولة السيادة

ت + ت - الحجم الطبيعي

يبدو أنه صار لزاماً على المشتغلين بالفكر السياسي أن يعودوا إلى مفهوم السيادة والتذكير بمضامينه وذلك لشدة ما يصدر من خطابات تتحدث عن السيادة في غياب السيادة، وتنتصر للسيادة وهي فاقدة السيادة، وتتحجج بالسيادة كي تُمارس التنكيل بالسيادة.

الترابط بين الدولة والسيادة ترابط صميمي، بل قل لا دولة دون سيادة ولا سيادة بلا دولة. فالسيادة بالتعريف وجود سلطة دولة تملك الحق في تطبيق القانون وفرض الطاعة بوصفها ممثلة للشعب، وحامية لحدود الوطن وثرواته واستقلاله.

وعندي بأنه في هذه اللحظة من التاريخ السيادي، ونحن في القرن الحادي والعشرين، لا وجود لمفهوم السيادة إلا إذا كانت سلطة الدولة ناتجة عن خيارات حرة للشعب، وبهذا المعنى هناك ترابط ضروري بين سلطة الدولة الحاكمة الحافظة للسيادة الداخلية والسيادة الخارجية وسلطة الشعب المولدة لسلطة الدولة، ولهذا فإن شعور الدولة عبر سلطة الدولة بالسيادة لا ينفصل عن شعور الفرد والمواطن بالسيادة ويصبح كل اعتداء على سيادة الدولة اعتداء على سيادة الفرد - المواطن.

ما كان لهذه المقدمة أن تطول لو لم نشاهد بالعين المجردة فقدان السيادة في بعض بلدان العرب وحديث ما تبقى من السلطة هناك عن السيادة، عندما نتحدث عن السيادة الداخلية للدولة فنحن نتحدث عن القانون الضامن للحق وأدوات تحقيقه من قضاء وشرطة ومؤسسات، واحتكار القوة من قبل السلطة فقط.

عندما تكون هناك دولة يفسد فيها القضاء ولا يمارس وظيفته، بل ويصبح أداة عدوان، وتسلب سلطة الدولة حقوق المواطن، وتفسد الحياة المعشرية، وتمارس القمع ضد الإنسان، وتميز بين هذا وذاك وفق ولائه ومذهبه وتحول كل قواها المادية القمعية ضد حرية الكائن، فسيادة الدولة هنا زائفة بالمرة، لأنها متناقضة مع سيادة الشعب بوصفه مصدر سلطة السيادة. فليس من حق سيادة سلطة الدولة إلغاء سيادة الإنسان المرتبطة بالحق.

وعندما تكون هناك ميليشيات داخل الدولة وتتصرف خارج القانون ولها علاقاتها الخارجية بما يتناقض مع الدولة، وتنطوي على قوة مسلحة تلغي احتكار الدولة للقوة، ومباركة من سلطة الدولة، أو تُمارس نفوذها وهيمنتها أنفاً عن سلطة الدولة، فهذه دولة بلا سيادة إطلاقاً. لأن الفوضى المجتمعية والعنف المُشاع وفقدان الأمن والأمان والشعور بالطمأنينة لا تستقيم مع مفهوم السيادة.

وتأمل مفهوم السيادة وحاله إذا كانت هذه الميليشيات مدعومة من دولة خارجية وممولة منها، وتصبح هذه الدولة عبر الميليشيات التابعة لها قادرة على التحكم بالقرار الداخلي أو تفرض على السلطة الحاكمة ما تريد من علاقات.

عندما تكون سلطة الدولة سلطة أقلية طائفية أو إثنية جاءت عن طريق الغلبة المسلحة وتسلب حق الحياة الحرة الكريمة من الأكثرية، فسلطة كهذه ليست بذات سيادة، لأنها لا تحوز على الاعتراف المجتمعي وليست ثمرة له. فتتحول إلى سلطة ساهرة على وجودها وأمنها حتى لو كلفها ذلك الإطاحة بسيادتها الزائفة.

والحق إن سلطة تفتقد إلى السيادة الداخلية ستجد نفسها شاءت أم أبت فاقدة لسلطتها الخارجية، ذلك أنها لن تجد قوة مجتمعية مدافعة عن الدولة حين تتعرض لعدوان خارجي، لا سيما وأن قوتها العسكرية لم تتكون بالأصل إلا من أجل الحفاظ على وجودها كسلطة منبتة. ولأنها فاقدة للسيادة الداخلية فإنها لا تسطيع أن تجيش المجتمع وراءها، بل إن جزءاً من المجتمع سرعان ما يرى في الخارج خلاصاً دون التفكير بالسيادة الخارجية.

لا شك أن من وظائف القانون الدولي والحقوق الدولية الحفاظ على سيادة الدول الخارجية والحيلولة دون العدوان عليها، لكن القانون الدولي لا يستطيع حماية دولة فاقدة للسيادة الداخلية وعرضة للانفجارات والحروب الأهلية.

وعندها يصدق قولنا إن الطغاة يعبدون الطريق لأقدام الغزاة.

 

Email