الموت والألم الكوني أين الخطأ؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

الموت العنيف، والموت المعولم-الكوني، وفق وصف صديقنا الشاعر اللبنانى البارز عيسى مخلوف – في وصفه الأول عن الموت في الحرب الأهلية اللبنانية في أطروحته للدكتوراه في فرنسا، والوصف الثاني قاله في تغريدة في أعقاب الموت الإرهابي الوحشي الذي حدث في باريس.

والسؤال الذي يطرحه هذا الألم والعذاب الكوني الذي يشيعه هذا الخوف والرعب الذي بات جزءاً من حياة عالمنا المعولم، ما الذي يولَّد كل هذا الغضب والحقد والكراهية لدى هذه المجموعات الإرهابية التي توظف الحداثة الفائقة والثورة الرقمية والقدرات التنظيمية الهائلة في اختراق شبكات التواصل الاجتماعي والرقمي، والأحزمة الأمنية الصارمة في فرنسا وتجنيد الشباب؟

هل الخطأ كان في أيديولوجيا التوحش فقط؟ أم في التأويلات الدينية العنيفة؟ هل في السياقات الاجتماعية والثقافية والرمزية والسياسية التي خرج من أصلابها هذا الجحيم من النيران والدم والأشلاء وعنف اللغة، وهذه البرودة المتشحة بالعنف المفتوح؟

أين الخطأ؟ هل في النظم السياسية الديكتاتورية التي وظفت الدين الإسلامي الحنيف على هواها ومصالحها وتلاعبت به، ومعها مؤسسات دينية دانت ولاتزال لها بالولاء والطاعة؟

أين الخطأ هل في طرائق المقاربات التفسيرية والتأويلية النقلية التي لانزال نعيدها ونتلوها دونما فحص أو مراجعة أو لما تنطوي عليه من تناقضات ومفارقات وأخيلة جامحة، ونضفي عليها بعض أساطيرنا الوضعية؟

أين الخطأ هل هو تخلفنا التاريخي الذي ولدّ فجوات بيننا وبين العالم، هل هو خوفنا ورعبنا من أن نتبدد، ونصبح العرب البائدة؟ هل هو رعب التخلف والإحساس بالضياع؟ هل هو العجز المقيم والمستمر عن مواجهة أسئلة الحياة في كل لحظة من لحظات تخلفنا التاريخي المركب؟

هل هو الخوف من ضياع الهوية والتماسك في عالم يعصف بالتحولات النوعية في أنماط الحياة وثورات التقنية واللغة وطرائق التفكير، وفي أنساق القيم، وأنماط السلوك؟ أين الخطأ هل في نخب سياسية مسيطرة غير قادرة على مواجهة عواصف التغير وتتعامل معها على أنها مقادير كونية لا راد لها؟

أم أنها حتميات لا نستطيع أن نتكيف ونتعامل معها؟ هل لأنها نخب فاسدة ومتهتكة في استهلالها المفرط والوحشي؟ أم لأنها تفتقر للملكات السياسية وقدرات الحكم، وخيال السياسي الحصيف؟ هل لأنها نخب تتعامل ببلاده مع تغيرات العالم المعولم، ولا تتابع ما يحدث داخله وحوله من متغيرات وتحولات؟ هل لأنها نخب تفتقر إلى الرؤية، وتستبدل القمع السلطوي كمعادل لخوفها من العالم، ومن تحولاته، وفي مواجهة مشكلات بلداننا؟

من أين تأتي داعش ومنظروها وقادتها بهذا النمط من التفسيرات والتأويلات للمقدس والسنَّوي على هذا النحو العنيف؟ هل الأمر يقتصر على العنف الوحشي الذي تستخدمه أنظمة الحكم العربية الفاسدة فقط؟

أم الوحشية باتت جزءاً من حياتنا وإدراكاتنا وسلوكنا ولغة الحياة اليومية، ولم نعد أمام العنف اللغوي كسمت للغة الحياة والاتصال بين الناس، وإنما أصبحنا أمام توحش اللغة، أو الأحرى نمط من اللغة الوحشية حل محل لغة اللياقة والوئام واللطف والأخوة الإنسانية؟

أين الخطأ هل هو من اللغة الوحشية الإقصائية التي تنبذ الآخرين من أبناء أوطاننا كالمسيحيين العرب، وسواهم من ذوي الأديان والملل والنحل الأخرى؟ أليس التجرؤ على القيم والعقائد الإسلامية يتمثل في استباحة دماء وأعراض وأموال وممتلكات المسيحيين وغيرهم، كما ظهر في سوريا والعراق ومع فتيات ونساء الأزيديين وسواهم؟ أين الخطأ هل هو في انهيار ثقافة التعايش المشترك والحياة المتألفة بين المكونات المتعددة لشعوبنا؟

أين الخطأ؟ هل في رؤى العالم المشوشة والمضطربة السائدة لدى النخب الحاكمة ومعارضاتها؟ وهل هو غيابنا نخباً وجماهير – على مختلف انتماءاتها الاجتماعية- عن زمن العالم المعولم؟ أين الخطأ هل في انكسار اللغة الاتصالية والرمزية الجامعة والموحدة بيننا في مجتمعاتنا ودولنا وعالمنا العربي؟

أين الخطأ هل في لغة الكذب وثقافة النفاق وكراهية العمل والكسل الذي يغشي حياتنا؟ هل في نفاقنا الديني والأقنعة الدينية التي نرتديها في علاقاتنا ببعضنا بعضاً، وبذواتنا، وبين داخلنا وخارجنا؟ هل هي الأقنعة التي نحاول أن نؤسس بها لتوازن نفسي حرج بين أقوالنا وأفعالنا؟

من أين جاء توحش داعش والنصرة والسلفيات الجهادية والقاعدة ونظائرهم وأشباههم، أليسوا من داخلنا؟ من حقل الرداءة التي تمسك بخناقنا؟ لماذا يفرح البعض منا بما يحدث في داعش ومنها إزاء الآخرين من القتل والعنف والولع بعذابات الضحايا وآلامهم الجنونية التي تفوق الخيال؟

لماذا هذا الحرق الُمعذب، ورمي الضحايا من حالق، وتحرك العربات المدرعة والدبابات على أجساد حية تسحقها وهي صارخة بأقصى العذاب المميت؟ أين الخطأ هل هو في الجهل بالدين الإسلامي العظيم وتعاليمه؟ كيف تحولت إنسانية الإسلام السمحاء إلى هذا النمط الوحشي الذي يستعيد تاريخ العذاب والألم والعقاب الوحشي من التاريخ العقابي الكوني؟

ما كل هذا الاستسهال والخفة في نعت الآخرين ووصفهم بالتكفير؟ ما هذه النزعة للاستيلاء على سلطات الله العليا – جل جلاله وعلت قدرته وشأنه - في تحديد المؤمن وغير المؤمن به؟ هل هي نزعة لاغتيال الرحمة، ومعاني التوبة والرجوع إلى الله تعالى؟

Email