هل كان هذا «الربيع»..عربياً حقاً؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

ذهبت في المقال السابق إلى ما يسمى أحياناً بـ«الربيع العربي»، ظهر أنه أقرب إلى أي فصل آخر من فصول السنة منه إلى الربيع، وأزعم الآن أنه أيضاً لم يكن «عربياً» بمعنى أن وراءه أيدٍ خفية ليست عربية، أرادت منه تحقيق مصالح لا يعلن عنها وليست في صالح العرب. فعلى أي أساس أبني هذا الاعتقاد؟

أولاً: إن هذا الذي أعبر عنه لا يستند إلى أدلة حاسمة، وهو أقرب إلى الظن منه إلى العلم، ومع هذا فلدي شعور قوي جداً بصحته تولد من ربط الأحداث بعضها بعضاً، ومحاولة الوصول إلى تفسير لما لا يقدم تفسيراً مقنعاً له. ويقوي ميلي إلى التمسك به اعتقادي القوي أنه في ميدان السياسة، وفى ظل ما تمتلئ به وسائل الإعلام في كل مكان يتم تضليل متعمد كثيراً ما لا يكون أمامنا إلا الظن والتخمين.

ثانياً: إن هناك أسباباً قوية للاعتقاد بأنه في الحياة السياسية في العالم كله، تزداد مع الزمن جريمة الخداع، أي أن تكون التصريحات المعلنة عكس الحقيقة بالضبط.

ثالثاً: نحن نعيش اليوم فترة في تاريخ العلاقات الدولية، تكثر فيها الدلائل على تغير المراكز النسبية للقوة الاقتصادية للدول الكبرى، وهذا للتغير يؤدي عادة إلى تغير المصالح السياسية وظهور الدافع إلى إعادة ترتيب العالم (أو مناطق مهمة فيه) بما يتفق مع التوزيع الجديد للقوة الاقتصادية والسياسية.

رابعاً: تتابع أحداث هذا «الربيع العربي»، خلال السنوات الخمس الماضية يبدو مدهشاً للغاية وغير مألوف. رؤساء كانوا يبدون أقوياء يسقطون بسهولة كما تسقط أوراق الخريف، بل ويتم قتل بعضهم بطريقة بشعة..

ولا تذرف القوى العظمى دمعة واحدة حزناً عليهم، بل ولا يتظاهرون بهذا الحزن، رغم أن هذه القوى العظمى كانت تعاملهم طوال حكمهم باحترام زائد، بل وتغدق على بعضهم المعونات طالما كانوا يحققون لها أهدافاً بعينها. وأثناء ذلك يجري تدمير آثار عزيزة وغالية على العرب والمسلمين، فلا يذرف العالم دمعة واحدة على هذا أيضاً، وكأننا في غمار حرب عالمية، تهون فيها كل التضحيات في سبيل تحقيق مصالح بعينها.

خامساً: الثورات المسماة بالربيع العربي لم تحقق واحدة منها (ويا للغرابة) الأهداف التي يقال إنها قامت من أجلها، وراح من أجلها بكل أسف أرواح عزيزة، وأصيب من أجلها آلاف من الشباب والشابات في أعينتهم أو حرياتهم.

سادساً: في هذه الثورات العربية يحدث أن ينجح الثوار في إسقاط رأس النظام، ولكنهم لا يتولون السلطة بعد ذلك بل يتولاها غيرهم.

سابعاً: البواعث الدفينة التي تدفع القبائل والأمم والدول إلى إثارة الحروب، وقتل بعضهم بعضاً..

والاستيلاء على ممتلكات الغير، مهما كان عدد الضحايا من الجانبين، المعتدي والمعتدى عليه، لو يبدو أنها تغيرت كثيراً عبر التاريخ، فهي دائماً دوافع اقتصادية، تعود إلى مجرد الطمع في مزيد من الثروة، أو نفسية تعود إلى الرغبة في فرض السيطرة على الغير، كانت هذه البواعث وراء الحروب المختلفة في التاريخ منذ الإسكندر الأكبر ومن قبله، وحتى هتلر ومن جاء بعده.

استخدمت فكرة «الإرهاب» بنجاح باهر، خلال السنوات الخمس الماضية (ولا زالت تستخدم) لتبرير أو تفسير كل ما يراد القيام به من أعمال التدمير والقتل والتخريب، في حين أن الدوافع الحقيقية تكمن في إعادة ترتيب منطقتنا لتحقيق مصالح لا تختلف عن المصالح المعروفة في التاريخ، من طمع في المزيد من الثروة، أو في مزيد من السيطرة.

 

Email