الغيطاني.. إغفاءة الصحو والحضور والقيام

ت + ت - الحجم الطبيعي

يساورني سؤال مسكون بالشغف ما الذي كان يستدعيه صديقي وأخي الكاتب والمبدع الكبير جمال الغيطاني، وهو في مرحلة برزخية بين الحياة والتهيؤ للسفر الطويل إلى الأبدية؟ هل استدعى تاريخه الشخصي أم تاريخ بلاده؟ هل استدعى طقوس الرحلة في كتاب النهار؟ أم طالعته حركاتها الجليلة المنحوتة كسيمفونية للخلود، وكل حركة/ خطوة هي عالم بأكمله؟

هل استدعى تاريخه الشخصي، وكفاحاته وصلابته وشغفه بالمعرفة والصور والألوان والحجر والموسيقى والتصوف في سعيه للكشف عن ما وراء أسئلة الوجود والعدم؟ هل راودته أسئلة الشك والإيمان، وهو يسعى بعقله ووجدانه إلى كشف ما وراء الأسئلة الأبدية؟ هل خايلته هذه الرحلة في الروح والعقل الوثاب الذي رفده بالمعرفة والوعي والبصيرة؟ ماذا كان يفكر رجل البصائر والمصائر في هذه اللحظة بين عالمين؟

هل تذكر قيمة الصداقة والمحبة، وكان ولا يزال من عشاق الصداقة المدلهين الأوفياء للمعنى العميق وراءها؟ هل جاءه صديقه نجيب محفوظ ليتلو عليه آيات الحكمة والمعرفة والإبداع؟ أم كان يستذكر معه جلساتهما معاً وحواراتهما الممتعة الصاخبة بالضحكات الفلسفية الساخرة، المفعمة بالحياة وحسُ الخلود ومعاني الأبدية وسكونها المقدس؟ أم أنبأه بأن الابتسامات والضحكات واستدعاءات الذكريات تعيدها حية ضاجة بالحياة في لحظات السكون الأبدي؟ ما هي منامات وصحو ووعي الخلود الأبدي إلى أن يرث الله الأرض وما عليها وهو خير الوارثين؟ هل كان يتحاور مع أصدقائه ومحبيه الذين غادروه إلى عالم الغيب والشهادة؟ هل استشرف من خلالهم أسرار هذا العالم المُلغز الذي تعرف على بعض من فضاءاته وحرية الحرية داخله من قراءاته للمقدس ومكابداته الشخصية سعياً وراء اليقين والإيمان!

ما الذي استدعيته يا صانع الحكايات والقصص والروايات المتألقة بالإبداع والكتابات التي تنتفض بأسئلة النهضة والتقدم لبلادك؟ هل استدعيت فيوض الرؤى التي صاحبتك في معارج الانتقال من حالة لأخرى من حالات كشف الذات والوجود، وإشراقات المعرفة، والوصول؟

يا حارس الظلال والمدينة والحكايات والصداقات والمحبة والحكمة، هل خايلتك روح المدينة الأم القاهرة وإحياؤها التاريخية ومصر الفاطمية، ومآذنها وقبابها؟ هل ذهبت بروحك إلى شارع المعز وجوامعه وأبنيته وأزقته التي عاشت في قلبك وذاكرتك وأيامك حيّة وممتلئة بخبرة الوجود والحكمة؟

هل تنادت إلى سمعك الموسيقى وهي تنساب من بين الحجارة في المساجد العتيقة، التي تكتنز إيمانات وراء أخرى، وتضرعات إلى الله مصحوبة بموسيقى التبتل والتعبد وتراتيل التوحيد للواحد الأحد، مرجع المحبة والجمال الأسمى؟ هل صاحبتك أصوات السماء وشيوخها الكبار وهي تتلو آيات الذكر الحكيم من أبو العلا محمد، ومحمد رفعت، وعبد الباسط عبد الصمد، وأبو العينين شعيشع ومصطفى إسماعيل، ومحمود الحصري؟ هل تناهت إلى سمعك الذواق المرهف كل أجيال دولة التلاوة العريقة التي حملت أصواتها عمق الإيمان المصري وطبقاته وموسيقاه عبر التاريخ محمولة على أصواتهم؟ هل انكشف لك الصوت ما وراء الصوت؟

هل انفتح أمامك يا صديقي ما وراء التراتيل وأناشيد التبتل من أصوات طه الفشني، وسيد النقشبندي، ونصر الدين طوبار وياسين التهامي وأحمد التوني وسواهم من سلاطين المنشدين، وسقاة الأرواح البهية ومعهم خضرة محمد خضر وجمالات شيحة.. الخ؟ يقيني أنهم كانوا معك يؤنسون وجودك ومعهم كل من أحببت في الحضرات الصوفية، حيث الوجد والكشف والانكشاف والصعود والتجلي وانبثاق الحقائق الكونية صافية يحوطها آلق السكينة والسلام الأبدي؟

هل كنت تقرأ كتابات ونصوص قصائد الأجيال الجديدة الطالعة كي تنتقي قطاف المواهب الجديدة وبشائر مواهبها كعهدك؟ ما صورة مستقبلنا الآتي الذي رأيت في صحو المنامات البرزخية؟

Email