تأملات في الانتخابات

ت + ت - الحجم الطبيعي

أوفت دولة الإمارات، كعهدها، بما وعدت به قبل سنوات، بشأن انتخابات المجلس الوطني، وما ألزمت نفسها به من التدرج في تجربتها النيابية.

والواقع، ولله الحمد، أثبت أن هذا التدرج الذي انتهجته الدولة، هو المسار الصحيح، ولنا عبرة في بعض الدول التي تعجلت في تقديم نموذجها النيابي، ما زالت تعاني حتى بعد مرور عقود على تجربتها، ولم تصل إلى النضج المطلوب الذي يخدم الوطن والمواطنين.

كما أن الناظر في حال المرشحين والناخبين في الدولة، يرى النتيجة الإيجابية لهذا التدرج، كما سيأتي معنا في هذه المقالة.

ومن الالتزام بهذا بالتدرج: الانتخاب بنظام الصوت الواحد، فضلاً عما رأيناه ولمسناه من تطور ملحوظ في الأمور الإجرائية واللوجستية، كالتسجيل المبكر، والتفعيل المؤقت لبطاقات الهوية في المراكز الانتخابية، مع زيادة عدد المراكز، وحسن إدارة وتنظيم العملية الانتخابية بشكل عام.

ولا بد هنا من كلمة شكر وثناء للقائمين على اللجنة الوطنية للانتخابات، ولجان الانتخابات في جميع الإمارات، والعاملين بها والمتعاونين معها من أبناء الإمارات المتطوعين في هذا الحدث الوطني الهام.

والحقيقة أن هذا الحدث المهم في عمر دولتنا الحبيبة، يحتاج إلى وقفة تأمل، وخصوصاً لأهم محورين في العملية، وهما المرشحون والناخبون، كونهما يمثلان قطب الرحى فيه.

ولا أدعي أن ما سأقدمه هنا دراسة تحليلية، فالمقام لا يتسع، فضلاً عن كوني لست مؤهلاً لذلك، إنما هي ملاحظات لمواطن إماراتي من عامة الناس، أو لرجل الشارع العادي.

وأتمنى أن يتسع صدر القارئ وإخواني المرشحين والناخبين، فإنما هي وجهة نظر، ورأي شخص غير ملزم، ويحتمل الصواب والخطأ، مع تقديري الشخصي للجميع.

لقد كان جلياً، وجود تكرار في العبارات التي اختارها المرشحون كشعارات لهم، فغالبيتها اعتمدت على كلمات معينة مثل: (معكم، منكم، من أجلكم، صوتك أمانة......إلخ)، ما يظهر الحاجة إلى الإبداع والتفكير العميق خارج الصندوق الذي يدل على تميز المرشح وتفرده.

وكذلك الأمر بالنسبة للبرامج الانتخابية نفسها، فالملاحظ أنها دارت حول محاور ومواضيع دون غيرها، ربما ليس لوجود إشكاليات فيها على المستوى الوطني، ولله الحمد، خصوصاً في دولة وضعت إسعاد المواطنين وجودة حياتهم نصب عينيها، وبادرت مشكورة بوضع مستهدفات ومؤشرات أداء لها لضمان سرعة الحصول عليها وبجودة فائقة، ولكن لأنها تدغدغ عواطف بعض الناخبين، وتعزف على الوتر الحساس لديهم، أو لأنها أكثر المواضيع شيوعاً، حتى على المستوى العالمي، وربما كان السبب عدم قدرة البعض أو عدم وجود الوقت أو الاطلاع لديهم لعمل دراسة، يتم بناءً عليها تحديد محاور جديدة هادفة، تخدم الوطن والمواطنين، أو لضعف إلمامهم بدور ومهام المجلس الوطني الاتحادي الموقر، وبالتالي، نتج هذا التكرار أو الطرح الضحل.

وقد يكون السبب أيضاً، في تصوري المتواضع، صغر سن وقلة الخبرة العملية لدى بعض الإخوة المرشحين، فالمحتوى المعرفي والثقافي والخبرة المتراكمة المتنوعة، تشكل قاعدة قوية للمرشح، يستند عليها في العملية الانتخابية بكل تفاصيلها، والتي منها اختيار مواضيع الحملة الانتخابية، وكذلك الحال عند الدخول إلى المجلس الوطني، وطرح المواضيع أو دراستها أو دراسة مشاريع القوانين ومناقشتها في الجلسات، أو من خلال لجان المجلس، أو عند التشرف بتمثيل الدولة في الاجتماعات والمحافل البرلمانية الإقليمية والعالمية.

ولعل السبب وراء فوز بعض الإخوة المرشحين، أو إعادة انتخابهم، يرجع لخبرتهم الطويلة أو لتجربتهم العملية، وطرحهم القوي في دورات سابقة بالنسبة للمخضرمين منهم، وما اكتسبوه من دربة وخبرة عملية في المجلس، ولا ننسى أيضاً العلاقات، وما تلعبه من دور قوي.

ومن الملاحظات الواضحة، تبني بعض المرشحين لمبدأ الغاية تبرر الوسيلة، فورود اتصالات هاتفية من مكاتبهم أو الجهات التي تتولى حملاتهم الإعلامية للناخبين، واقتحام خصوصيتهم بالحصول على أرقام هواتفهم، فضلاً عن إهمال حقهم في الاختبار، ومحاولة التأثير فيهم وأخذهم بسيف الحياء، ولو أنهم اكتفوا بتقديم الدعوة لحضور جلسة أو اجتماع مثلاً للتعريف بالبرنامج الانتخابي، لكان ذلك مقبولاً، وأشد من ذلك، وقوف البعض على مداخل المراكز الانتخابية لجذب الناخبين وإحراجهم، بل سؤالهم بعد التصويت، هل قاموا بالمهمة لصالحهم أم لا؟! ولا أعتقد أن ذلك يليق بمقام المنصب الذي سيتم الترشُح له، والله المستعان.

وأعود مرة أخرى لموضوع التدرج، الذي تبنته الدولة، حفظها الله، فقد بدا تأثيره واضحاً على الناخبين، حيث تكوّن لديهم نضج في اختيار مرشحيهم ودراسة برامجهم الانتخابية، بعيداً عن العواطف، وعدم التأثر بكم الدعاية والإعلانات والاتصالات والحملات الانتخابية، وتركيزهم على نضج المرشح وخبرته، ومن ذلك، رجوع الكثير منهم لجلسات المجلس الوطني في الدورات السابقة، للتعرف إلى أداء المرشحين المخضرمين.

وأرجع فأقول، إنما هي تأملات أو ملاحظات، عسى أن تضيف قيمة، وهي ولا تقدح أبداً في الجهد الجبار والملحوظ والتطور الملموس. ونحن على يقين وثقة كاملين دائمين، في توجه حكومتنا الرشيدة، حفظها الله، وأن الدورات القادمة سترقى من الأفضل إلى الأفضل، بكل مكوناتها من تشريع وتنظيم ومرشحين وناخبين، مع تمنياتنا بالتوفيق والسداد للفائزين.

Email