الشراكة السعودية- الإماراتية والمعادلة الجديدة للمنطقة

ت + ت - الحجم الطبيعي

العالم العربي يحتاج إلى بوصلة تحدد مساره في المرحلة المقبلة.

الخلل في النظام الإقليمي العربي وسلبية جامعة الدول العربية، أوجد فراغات في الفضاء العربي وأعطت فرصة لقوى إقليمية في المنطقة للتمدد في المنطقة، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.

وهذه المرحلة التي جعلت الدول العربية مسرحاً لنشاطات سياسية وعسكرية لدول كبرى وإقليمية ينقلنا للمشهد الأخير في تراجع الأمن الإقليمي العربي. وتتجه الأنظار إلى محور مهم ومؤثر في المنطقة وهو المحور السعودي- الإماراتي.

ويتفق كثيرون أن العلاقات الاستراتيجية بين السعودية والإمارات أصبحت تلعب دوراً مهماً ليس فقط في القضايا البينية بين الدولتين، ولكن على مستوى المنطقة. وكان التنسيق عالي المستوي بين الدولتين هو الذي أنقذ المنطقة من منعطفات كبيرة ومصيرية.

وضح هذا الدور بشكل جلي في دعم مصر والوقوف إلى جانب خيار الشعب المصري في ثورة 30 يونيو. وفي اليمن تجسد التعاون في أفضل صوره في مشاركة الجيشين في نصرة الشعب اليمني والوقوف في وجه الأطماع التوسعية لدول إقليمية. وامتزجت دماء الشهداء من الدولتين وبقية دول الخليج في تقديم صورة صادقة لهذا التحالف، وفي رسالة نبيلة بهدف دعم اليمن وإعادة الشرعية والأمن والاستقرار له.

ما يجمع السعودية والإمارات أكثر من كونه فقط مواقف سياسية وتقاطع مصالح، بل هي مبنية على أسس حقيقة ووعي سياسي. وهناك علاقة بين الشعبين تتجاوز الأطر السياسية، بل وأصبحت هناك أعداد متزايدة من السعوديين يعيشون في دولة الإمارات ويشعرون أنهم في بلدهم وبين إخوانهم، ولذلك العلاقات في أعلى الهرم السياسي هي تكملة لعلاقة موجود ومتأصلة بين الشعبين.

ويراهن كثيرون على المحور السعودي- الإماراتي في لعب دور مهم في حماية النظام الإقليمي العربي بعد تعرضه لهزات كبيرة نتيجة ما يسمى بالربيع العربي والتغيرات الجوهرية في خريطة المنطقة والعلاقات السياسية.

الشراكة الاستراتيجية بين البلدين هي واحدة من النماذج التي نجحت تاريخياً في صنع تكتل إقليمي مترابط، ففي أوروبا تبقى تجربة الفرنسي- الألماني نموذجاً لعلاقة قادت قاطرة الوحدة الأوروبية وشكلت محور الاستقرار لدول غرب أوروبا في مرحلة الحرب الباردة، والقيادة في مشروع الوحدة الأوروبية بعد نهاية الحرب الباردة.

وتجربة دول بريكس التي كانت تستند إلى علاقات إيجابية ومصالح اقتصادية بين أربع دول الهند والصين والبرازيل وروسيا انضمت لها لاحقاً جنوب أفريقيا. وهي اليوم قوة ضخمة في المعايير الاقتصادية عالمياً، وغيرها من التكتلات الضخمة في العالم، والتي تتحول الشراكات إلى تنظيم مؤسسي يربط المصالح ويوحد المواقف السياسية.

وقد حاولت أطراف حاقدة أن تثير تشويشاً في العلاقات بين البلدين، ولكن رؤية القيادة في البلدين جعلت مرادهم بعيد المنال، بل بالعكس شهدت العلاقات نمواً أقوى في ظل القيادة السعودية الجديدة تحت قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز.

وهنا يؤكد الشيخ محمد بن زايد ولي عهد أبوظبي متانة الأسس التي تستند إليها العلاقات السعودية- الإماراتية، وأكد تقدير دولة الإمارات العربية المتحدة للدور الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية في إرساء أسس الأمن والاستقرار في المنطقة.

وبين إيمانه العميق بمحورية الدور السعودي بقيادة خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، وقناعته الثابتة بأن السعودية تمثل حجر الأساس للخروج بالمنطقة العربية من حالة عدم الاستقرار التي تعصف به.

ويعود تقارب النهج السياسي للدولتين للأسلوب المتقارب في الفكر السياسي والتخطيط الاستراتيجي، فالبلدان ليسا من الدول ذات الطموحات التوسعية، بل الآن وتاريخياً كانا يلعبان دور الوسيط في تقريب العلاقات بين الدول العربية، والقيام بوساطات لإنهاء نزاعات ومنع فتيل الحروب والتباعد والتوتر.

وتمثل هذه المظلة السياسية التي تستند إلى سياسية حكيمة ومعتدلة الأرضية التي ينبى عليها هذه التحالف وأهدافه، ولذلك تأتي القراءة للقياديتين أن التطورات في المنطقة متطابقة، ويمتلك صانعو القرار السياسي في العاصمتين خريطة طريق واحدة لإعادة الاستقرار للمنطقة والتركيز على التنمية والازدهار بدلاً من الحروب والتوترات.

وهي قراءة صائبة، فالتحديات التي تتعرض لها المنطقة تجعل من الأهمية وجود محور ذا ثقة عالية في الشارع، ويملك تأثير سياسي واقتصادي، وهذا ما يتوفر للدولتين.

ومن يراجع تطور العمل السياسي في عاصفة الحزم بقيادة السعودية يرى أن التحالف، الذي تلعب فيه دول مجلس التعاون دوراً مهماً كان نقلة نوعية في العمل السياسي المشترك، لعبت فيه السعودية والإمارات دوراً مفصلياً ارتكز على الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.

واستطاعت هذه الشراكة أن تفرض نفسها في خريطة السياسية الدولية، فلقد عبر سمو الشيخ عبد الله بن زايد وزير الخارجية الإماراتي على أهم منصة دولية في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي في كلمته عن عمق هذه الشراكة حينما قال: تقف دولة الإمارات مع المملكة العربية السعودية بحزم، أمام أي محاولات إيرانية للتدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.

ومن الواضح أن الرياض وأبوظبي أخذا زمام المبادرة في حماية القضايا العربية، والدفع باتجاه قطع الطريق على أولئك، دولاً كانوا أو جماعات من أصحاب المشاريع الانتهازية التي تستهدف الأمة واستقرارها.

ويشكل هذا المحور في مجموعه دول الخليج مع مصر مركز ثقل يعيد التوازن ويملأ الفراغ في النظام الإقليمي العربي.

Email