رويداً رويداً تتكشف خيوط اللعبة القذرة التي حيكت بليل وأدت إلى كارثة «التدافع» في مشعر منى الحرام في بلد الله الحرام صبيحة أول أيام عيد الأضحى المبارك الخميس الماضي. والواقع أن ما تريده بعض الأطراف في إيران لم يعد خافياً على أحد، سواء من حيث الإساءة للمملكة العربية السعودية وشقيقاتها في الخليج أو من حيث إثارة الفتنة والنعرات الطائفية في المنطقة ككل..

وما ساحات اليمن والعراق وسوريا ولبنان عنا ببعيد. أما موسم الحج، فهم لم يكونوا يوماً أبرياء من استهدافه، سواء بالجهد التعبوي التخريبي بهدف استخدامه كمنصة لنشر دعاياتهم المضللة وتصدير بضاعتهم الكاسدة، أو بالاستهداف المادي الفعلي من خلال الأعمال التخريبية الإرهابية كما أثبتت التحقيقات في أكثر من مرة، وحتى عندما عجزوا عن إدخال المتفجرات لم يردعهم لا الدين ولا الإيمان عن استخدام حجاجهم مصائد موت للتسبب في اختناقات وتدافعات تقتل أبرياء المسلمين دون ذنب ولا جريرة.

البعض يتداول معلومات مغلوطة توحي أن الحادث حصل عندما دخل الحجاج من شارع 233 إلى شارع 204 قادمين من 206، وهذا كلام غير منطقي لأنه موجود أصلاً في خطة التفويج ويتم عملياً طيلة خطة التفويج وبسلاسة وأمن ولم نسمع عن الحوادث لا قبل ما حصل ولا بعده، خاصة..

وأن خطة التفويج تتم أصلاً على أساس الحركة في مجموعات صغيرة متتالية وتنظيم مسارات الذهاب والإياب بدقة زمنية تمنع التصادم. ولذلك نجد أن قرابة المليونين الذين اتبعوا خطة التفويج تنقلوا بأمان وسلام بفضل الله دون أذى. فما الذي حصل وحوّل صباح الخميس إلى كارثة بالنسبة للألفين الذين رأيناهم ممدين بين متوفى وجريح؟

الواقع أن ما كشفت عنه وسائل الإعلام بالأمس يكشف الكثير من الخبث والإجرام المخطط للعبث بموسم الحج، حيث تحدثت المصادر عن دور أكثر من 300 حاج إيراني فيما سمي بالارتداد العكسي بعد أن قاموا بالنزول مباشرة من مزدلفة لرمي الجمرات قبل ساعات عدة من موعد تفويجهم ثم العودة لمخيمهم عبر شارع 204 بشكل معاكس لاتجاه الحركة الطبيعية في ذلك التوقيت..

وطبعاً لم يكونوا يسيرون مثل بقية البشر، بل على شكل مهرجان سياسي متماسك محمّل بالشعارات والخطابات وهذا ما يجعل مهمة أي حشد مقابل أصعب في المرور، لكنه عند (التصادم) يودي بأصحابه وهو ما يفسر ارتفاع عدد القتلى الإيرانيين (130 شخصاً).

لكن ألا يعقل أن يكون هذا تصرفاً عفوياً؟ ممكن لولا أن هنالك من الشواهد ما يجعلنا لا نقبل نظرية التصرف العفوي بسهولة. فأولاً، التصادم القاتل وقع قريباً من الساعة التاسعة، ولكن هنالك شهادات عيان نشرت قبل ذلك الوقت، من بينها مثلاً تغريدة لإعلامي سعودي الساعة 7 صباح الخميس وشهادة مماثلة في الوقت نفسه تقريباً لطبيب قلب مشهور..

كلها تتحدث عن محاولات إيرانية مماثلة عدة سبقت ذلك التصادم وكلها كانت ترتكز على القدوم من مزدلفة مباشرة للرمي ثم العودة بعكس اتجاه السير دون تنسيق مع أحد وفي تظاهرة سياسية منظمة. وثانياً، يلفت الانتباه وجود اسم السفير الإيراني السابق في لبنان المدعو غضنفر ركن آبادي في المجموعة الإيرانية التي تصادمت مع الحجاج..

وهو ضابط سابق في استخبارات الحرس الثوري ويعتقد أنه لا يزال على رأس عمله رغم ترقيته لمنصب بدرجة وزير، ورجل بهذا الوزن لن يذهب في مغامرة تخالف قواعد التنظيم والسلامة والتفويج لمجرد توفير بضع ساعات من الوقت لولا أنه كان يعرف مسبقاً ما الذي يقوم به خاصة وأنه معروف عنه أنه ممن يوصفون بأنهم «ذائبون في الولاية».

أما ثالثاً، فالنوايا الإيرانية السيئة تجاه موسم الحج لم تبدأ يوم الخميس الماضي. ولعلكم تذكرون حادثة الرافعة في الحرم يوم 11 سبتمبر، حيث نلحظ طريقة غريبة للإيرانيين في التعامل معها يركز على فرضية أن شيئاً ما حصل وأن الحديث عن الرافعة هو مجرد غطاء، بل ووصل الأمر إلى نفي وجود عواصف وأمطار غزيرة.

لكن أبرز ما يستوقفني هنا هو اسم أحد القتلى الإيرانيين وهو أحمد حاتمي، وهذا مهندس يعمل باحثاً في الصناعات العسكرية الإيرانية. ففي مقابلة لزوجته مع وكالة تسنيم يفاجئك ماذا كان يفعل هذا الشخص في الحرم؟

كان يقوم بدراسة هندسية لكل منافذ الدخول والخروج سواء الأبواب أو الشوارع المؤدية للحرم، ويوثقها بالصور ولقطات الفيديو عبر الهاتف ويرسلها أولاً بأول لزوجته، مع التركيز على النقاط المؤهلة لتصبح «موقع مجزرة». أنا لا أرجم بالغيب، لكنني عندما أقرأ هذا الكلام، ثم أتذكر قيام الحوثي على الفور بإصدار بيان يزعم فيه أنه «قصف الحرم بصاروخ»، أسأل نفسي سؤالاً بسيطاً: هل نحن أما هلوسات حوثية ناتجة عن الإفراط في تناول القات أم عن أحلام كانت على وشك التنفيذ أم ماذا؟

قد يقول قائل هنا، كيف يضحون بحجاجهم؟ ومن قال إن هذه مشكلة بالنسبة لهم؟ خاصة وأن من شروط الحج لديهم أن تكون «ذائباً في الولاية» و«تتمنى الشهادة» ويطلب منهم كتابة وصيتهم قبل الذهاب للحج، وفهمكم كفاية، لكن للتذكير فهذا النظام هو نفسه من ألقى بالأطفال الإيرانيين في حقول الألغام العراقية لتمهيد الطريق أمام جنوده في الثمانينيات، مطمئناً آباءهم أنها أقصر طريق للجنة..

وهو نفسه النظام الذي من أجل أغراض سياسية قذرة قام بتفجير مرقد الإمامين العسكريين في مدينة سامراء وقتل المئات من الزوار الشيعة العراقيين والإيرانيين كما أثبتت بالدليل المادي الملموس والقاطع تحقيقات الجيش الأميركي وقتها.

أما إذا كنت تستغرب أن يفعلوا ذلك ببيت الله الحرام وحجاجه الآمنين المطمئنين، فلا داعي أن أذكرك بالمرات العديدة التي تسببت فيها حملات المراهقة السياسية الإيرانية في المشعر الحرام بتدافعات مميتة وقاتلة، ولكن دعني أذكرك بما هو أكثر وضوحاً من ناحية مادية ألا وهو محاولاتهم مرات عدة إدخال المتفجرات إلى المملكة، لاستخدامها في موسم الحج، وإثارة الفتن في أكثر من موسم وغير ذلك من أعمال إجرامية مقيتة.لذلك عندما يتحدث خادم الحرمين الشريفين بالأمس عن الأيدي الخفية فعلينا أن نفهم من هم وأن نكون واضحين في رفضنا إجرامهم ومخططاتهم الآثمة والشريرة..

هم وحليفهم الصامت أردوغان الذي أطل بالأمس معتذراً عن إساءات وزير أوقافه للمملكة بعد أن أفحمته ردود الأفعال السعودية ووجه بالحقائق التي تسأل ماذا كان حجاجك يفعلون خلف مسيرة الإثم الشيطانية الإيرانية وقبل ساعات من موعد تفويجهم المعتمد؟ نسيت، كانوا من علويي تركيا حلفاء إيران دينياً وسياسياً وحلفاء أردوغان انتخابياً ومصلحياً، فهل يحق لهم النوم في حضن الشيطان المعمم أم ماذا؟

أما نحن في الإمارات وأشقاؤنا في المملكة العربية السعودية، فسنبقى بإذن الله «السيف المتوحد» في وجه الغدر والغادرين، وسنبقى جميعاً ندافع عن دار الحرمين وراية التوحيد بإذن الله وعونه وتوفيقه، ولعل الشاعر السعودي اختصر الحكاية من أولها لآخرها ببساطة حين قال: أبو فهد؛ لاغابوا محمّدينه مرّوا عليه محمّدين الإمارات.