تأملات في القطار المتجه إلى باريس

ت + ت - الحجم الطبيعي

استقل أيوب الخزاني، مغربي المولد والبالغ من العمر 25 عاما، قطار ثالز المتجه إلى باريس من بلجيكا، حاملا معه بندقية كلاشنكوف وتسع خزائن ذخيرة ومسدس، ولو أن ركاب القطار لم يقوموا بتجريده من السلاح الذي يحمله، لكانت الحادثة قد أصبحت بسهولة حمام دم إرهابي آخر، وذلك بعد أقل من سبعة شهور على مذبحة المقر الرئيسي لمجلة تشارلي إيبدو في باريس.

قال الطالب الأميركي انطوني سادلر، فيما كان هو وزملاؤه الذي جردوا الخزاني من سلاحه يتلقون وسام الشرف من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند تقديرا لشجاعتهم: «الدرس الذي ينبغي تعلمه في أوقات الإرهاب هو أن تفعل شيئا ما، ولا تكتفي بالوقوف ومشاهدة ما يجري». وقد أصاب سادلر جوهر المشكلة أي التهاون.

كنت قد تعرضت لهجوم في قطار أنفاق فرنسي في يناير 2011، وكان ذلك هو ما دعته الشرطة الفرنسية «حادث سطو مسلح خطير» ارتكبه شابان بدا أنهما ينحدران من أصول عربية..

وقد طاردتهما خروجا من عربة القطار، وعندما لحقت بهما هدداني بإطلاق النار على رأسي، ولما كان يبدو أنهما لا يحملان أسلحة، فقد أجبتهما بأن عليهما أن يطلقا النار، وقد فعلا ذلك لكنهما لم يصيباني. واستغرقت الشرطة وقتا طويلا في الوصول إلى المكان حيث إنني اضطررت إلى تركهما يلوذان بالفرار.

وفي التو عنّفتني الشرطة الفرنسية لمطاردتهما، ونصحتني بأن التزام الجمود هو أفضل ما يمكنني القيام به.

الجمود هو بالفعل التهاون، وقصة الخزاني بكاملها تعد مثالا يضرب في هذا الصدد.

أفادت تقارير أجهزة الإعلام الفرنسية أن الخزاني كان حراً في الحصول على كلاشينكوف في بلجيكا، وكان حرا في الإيغال في التطرف في سجن إسباني بعد اعتقاله لبيعه الحشيش. وقد أبلغت المخابرات الإسبانية نظيرتها الفرنسية بخطورة الخزاني، ومع ذلك فقد كان حرا في الحصول على وظيفة في فرنسا، والتجوال في أرجاء تركيا وألمانيا والنمسا وبلجيكا وسوريا.

أفادت التقارير أن الخزاني قد أبلغ محاميه بأنه أراد فقط أن يسرق من الركاب لكي يحصل على لقمة خبز، عند ذلك فقد حريته بفضل بعض الركاب. أليست معظم حالات السطو المسلح التي استهدفت مدنيين قد ارتكبها أشخاص على متن قطار يزعمون أنهم يبحثون عن لقمة خبز؟

إن هذا العذر الباعث على السخرية يوضح الكثير عما يعتقد أنه سيؤدي دورا جيدا في محكمة الرأي العام الفرنسي، فكل من يشعر بأن الحياة حولته إلى ضحية يحصل على مجال كبير للمناورة، وهو ما يضاعف أهمية العمل الاستخباراتي، لأنه عندما تكون هناك إشارة إلى تصدٍّ للمجرمين حتى لو كان الإرهابيون هم الهدف..

فإن الفرنسيين يميلون للشعور بالعصبية، وكانت تلك هي الحالة في 1993 عندما ألقت السلطات الفرنسية القبض على عشرات من المشتبه فيهم في عملية «زهرة الأقحوان» وسط دفق من أعمال القتال والاختطاف التي ارتكبها عدد من المتطرفين.

لقد كانت النزعة اليسارية المتطرفة منذ وقت طويل التوجه المتواطئ الذي يعتمد عليه في أوروبا.

وكانت جماعة حرب العصابات الشيوعية، المعروفة باسم «العمل المباشر» مسؤولة عن سلسلة من المذابح في فرنسا في ثمانينات القرن الماضي. ورددت أصداء جماعة الجيش الأحمر الإرهابية في ألمانيا. ولا يزال الإرهابي الماركسي الشهير كارلوس محتجزاً في أحد سجون باريس، وذلك بعد سنوات من سلسلة الأعمال الإرهابية التي بدأت عندما أصبح رئيسا للعمليات الأوروبية في إحدى المنظمات المتطرفة.

وبينما لا تعد الأيديولوجية اليسارية سائدة اليوم، إلا أنها اتخذت حياة جديدة في الشكل الذي يواصل تلويث العقلية الأوروبية وبصفة خاصة عقلية نخب أوروبا. ذلك هو السبب في أن إرهابيا مشتبها به يمكن أن ينتهي به المطاف إلى الاعتقاد بأنه يمكنه أن يمتشق كلاشينكوف..

وأن يتجه إلى التطرف أثناء وجوده في سجن حكومي، وأن يواصل رحلاته على امتداد أوروبا. ما من أحد يطالب بانقضاض فاشي على المشتبه بهم، ولكن هنالك مسافة كبيرة بين ذلك وبين اللامبالاة الفرنسية الشهيرة.

 

Email