المغامرة الحوثية

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل خسر الحوثيون رهانهم في الاستيلاء على اليمن لإقامة دولتهم الفاضلة المزعومة؟

الحروب هي رهانات بوصفها خططاً واستراتيجيات. والواحد قد يربح وقد يخسر، ولكن القضية في مشروع الحوثيين هي في أنها ليست مجرد رهان، بل مغامرة غير محسوبة قادتهم إلى الهزيمة، وجرت اليمن إلى النهاية الكارثية.

أولاً لم يكن بإمكانه أن ينجح في اجتياحه وانقلابه على الشرعية، لولا أن سخر له علي عبد الله صالح كل إمكانات الجيش اليمني، الذي بقي موالياً له في أكثر قطاعاته وألويته، فهو إذاً تواطأ مع عدوه السابق الذي أطاحه الحراك الثوري عام 2011، ولكن لكل شيء ثمنه، كما لكل لاعب مشروعه الذي يتناقض مع مشروع الآخر.

وها هي الأنباء تتحدث عن الخلاف بين الحليفين، ما يعني أن التحالف بينهما هو عابر، وليس ذا طابع استراتيجي، وهذه أول غلطة في الحساب.

ثم إنه من الخداع السافر أن يصف الحوثيون مغامرتهم بكونها «ثورة»، فيما الثورة اليمنية قد اندلعت بالذات ضد نظام الرئيس المخلوع وشركائه في إدارة الفساد. وسيدفع الحوثي تكاليف مثل هذه الخديعة الكبرى: أن يدعي أنه يقوم بثورة، فيما ينكل بأهل تعز، المدينة التي كانت منطلق الثورة؛ أو أن يدعي أنه المنقذ والمخلص لليمن، فيما هو قاد بلده إلى جحيم الحرب مخلفاً الأنقاض والمقابر.

والأطرف أن الحوثيين لم يتوقعوا أن تتدخل في الحرب المملكة السعودية التي قادت تحالفاً خليجياً عربياً ضد اجتياحهم لليمن، فهل كانوا يتوقعون أن تتفرج عليهم السعودية أو أن تصفق لهم، في ما هم يعملون على تطويقها؟ وهذه غلطة استراتيجية كبرى، فيا لسذاجة المغامر ومراهقته السياسية.

أصل من ذلك إلى الخطأ الجسيم في ما يخص لب القضية: دعوى الحوثي أنه خرج على الدولة والشرعية، لرفع الغبن عن جماعته أو منطقته التي هي محل تهميش وإقصاء، أو لإقامة دولة العدل والحق على الأرض اليمنية، محل دولة التمييز والفساد.

ولكن هذه المطالب لا تتحقق باحتلال صنعاء وعدن وبقية مدن اليمن التي عانت، مثلها مثل أهل صعدة وعمران، من مظاهر التخلف والبؤس، ومن آفات الفساد والاستبداد، وكلها من نتاج النظام السابق.

كان الأولى بهم أن ينخرطوا في الحراك الثوري، لا التآمر عليه بالتواطؤ مع علي عبد الله صالح. ولكن مطالب الحراك اليمني لا تهمهم لأنهم يعتبرون أنفسهم الصفوة المختارة، لا جزءاً من الشعب اليمني على قدم المساواة مع بقية المكونات.

فيا لفضيحة الحوثي الذي يدعي أنه ينطلق من ثقافة القرآن لإصلاح اليمن، فكانت النتيجة أن يستعين بالظالم والمستبد والفاسد، لتخريب اليمن والثأر من أهلها، سفكاً للدماء وفساداً في الأرض.

وهكذا فنحن نرفع الشعارات ونعمل ضدها، وندعي تجسيد القيم، ولكن لا تحسن انتهاكها، لأننا نجهل مبنى أقوالنا ومآلاتها، أو لأننا لا هدف لنا سوى القبض على السلطة. وتلك هي القاعدة السائدة: لا نصنع سوى النماذج التي ندعي محاربتها. ولا عجب في ذلك، مادامت السيطرة والغلبة، على مستوى الفكر والعقل، هي للعصبيات الطائفية والكيديات السياسية والهويات الموتورة والثقافة العدوانية.

وكل ذلك يجعل الجماعات تسير كالقطعان، وراء زعمائها ومرشديها، في ما يقومون به من مغامرات استراتيجية تعود وبالاً وخسراناً على المجتمعات العربية، وكما يترجمها بشكل خاص اتباع المحور الإيراني، في لبنان أو في العراق، حيث الفساد أصبح مهنة ومهمة.

تلك هي عاقبة الأمور، خاصة بعد استلام رجال الدين السلطة ومن تبعهم مقاليد السلطة في غير بلد عربي، بما رفع من العناوين الكبيرة والشعارات العريضة، بدءاً بالمقاومة والتحرير والوحدة والاشتراكية، وصولاً إلى شعارات الممانعة ومحاربة القوى الكبرى والشيطان الأكبر من أجل خدمة دولة الولاية أو لإقامة دولة الخلافة: تفكيك الأوطان وتفجير المجتمعات، تلغيم الحاضر وسد أبواب المستقبل، تدمير جسور التواصل بين الجماعات والعجز عن تدبير شؤون المواطن في حياته اليومية، التي بلغت أدنى مستوياتها الحضارية.

وهكذا فما رفعته الشعوب العربية طوال عقود من مطالب لتحسين شروط حياتها وبناء نفسها بصورة مدنية، ديمقراطية، متطورة، لائقة، قد أحبط بتعليق مطالبها وإرجاء قضاياها، بانتظار تحقيق الشعارات الخاوية والأدوار المشبوهة والدعوات المستحيلة التي تحولت إلى مغامرات فاشلة ودول عاجزة أو إلى حروب أهلية واستراتيجيات قاتلة.

هذا ما يعانيه اليمن اليوم، كما عاناه ولا يزال لبنان، الضائع بين ملفاته والعاجز عن حل مشكلاته المتراكمة، وآخرها الغرق في نفاياته.

 

Email