مرت قرابة السنين الخمس على ثورات العرب، أُزهِقَت فيها أنفس ودُمّرت مدن وأُضيعت ثروات وعمّ الخراب في كثيرٍ منها، وقفز للمشهد فيها كل عدوٍ مترصد من الخارج أو خائن من الداخل لتحقيق مآربه الشخصية، فعمّ الفساد وساء الحال، وبعد أن كان البسطاء يُمنّون أنفسهم بغدٍ جميل أصبحوا لا يتمنون شيئاً أكثر من ألا يغتال أطفالهم برميلٌ متفجر أو رصاصةُ وَغْدٍ لا آدمية لديه، فلم يعودوا يريدون كفاف العيش، ولكن يريدون مجرد العيش، بينما لا يزال ذوو الكروش المترهلة من فلاسفة تويتر وفيسبوك وتُجّار المايكروفونات يُزبدون ويرعدون ويُطالبون الشعوب بألا تتوقف وهم وعائلاتهم في بحبوحة من العيش والأمن، فأنّى لعاقل أن يستمع لمثل هؤلاء أو يُصدّق ترهاتهم وأباطيلهم التي لن تنتهي بمصدّقهم حتى يَرِد مورد الآخرين، حيث لا صوت سوى صوت الرصاص، ولا منظر سوى منظر الدماء.

في هذا البحر المتلاطم بالفتن ومسلسلات القتل والتدمير كانت بلادنا بفضل الله، ثم حكمة قيادتها العزيزة على قلوبنا، تسير بسفينة الوطن بعيداً عن المزالق وبؤر المترصدين والمتآمرين، لم يأتِ ذلك صُدفةً أو دون مجهود، بل كان نتيجة صدق النوايا أولاً وحُسن التخطيط ثانياً، وصلابة العزيمة في التنفيذ لاحقاً، ولم تمر السفينة الميمونة بسلامٍ فقط في هذا المحيط الجغرافي المتأجج، وإنما كانت الإمارات في نفس الوقت الحسّاس تُحقق قفزاتٍ هائلة في مؤشرات التنمية البشرية والاقتصادية والسياسية المختلفة، وتُقدّم للعالم نموذجاً نابضاً بالحياة لمجتمع واعد تتحقق فيه قيم التعايش والتسامح والمساواة والحياة الكريمة، وينعم من به بالأمن والأمان على أنفسهم ويومهم ومستقبلهم، ولا خير فيمن لا يقول للمُحسِن أحسنت، ولا يقول للكريم جزاك الله خير الجزاء، وذلك قولنا لقيادتنا رغم أنف الناقمين ومرتزقة الآفاق، ومهما قالوا ونشروا من مُسميات السوء وصِفات القبح التي هم أحق البشرية بها.

رغم كل شيء إلا أنّ هناك حقيقةً لا يجب أن تغيب عن بالنا، بأن الأخطار لم تنته ولن تنتهي، والحاسدون لن يتلاشوا ولكنهم سيزدادون عدداً، والمتربصون بنا وببلادنا لن يتعبوا ولكن سيتأجج سُعارهم علينا أكثر في قادم الأيام، وبلادنا تنتظر منّا جميعاً دون استثناء شخصٍ واحد أن نحمي وحدتها، وأن ندفع المتطاولين عليها وألا تُؤتى من أحد منّا، فالمتخفون في الظلام لا يفتأون يغيرون أساليبهم في بث الأكاذيب وترويج الشائعات واختلاق الأباطيل وتضخيم صغائر الأمور وتعميم الاستثناءات الشاذة، والتي تأتي في قالبٍ يتصنّع التقوى تارة والمنطق تارة أخرى، فتنطلي كلماتهم المتباكية على بعض البسطاء، وهم لا يعلمون أن خلف تلك العبارات البراقة والصوت المدّعي للصلاح قلب ذئب وعيني ابن آوى!

لا شيء كالوطن للإنسان السوي، حتى من تُجبره ظروفه على السفر والغربة من أجل لقمة العيش تجده عندما يموت وقد جعل أهم وصيةٍ له ألا يُدفن إلا في تراب وطنه، فهل تساءلنا لماذا؟ وما الذي سيستفيده وقد مات؟ إنه الحنين للجذور والانتماء والدفء والحب الذي لن تُعوّضه عنه بلاد الدنيا كلها، ولا يمكن أن يوجد إلا في موطن الإنسان!

وطنك هو أمّك، وكما لا ترضى بأن تسمع كلاماً مختلقاً عليها فلا ترضى ذلك على وطنك، فأنت أدرى بها من أقلام الزور المأجورة مهما وضعت من آيات قرآنية كريمة في معرّفاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، فهم يعرفون أنّ الناس بفطرتهم السليمة يميلون لا شعورياً لكل من يتشح بمسوح الصالحين وأثوابهم، وهذا هو مدخلهم دوماً، وإياني وإيّاك أن نستدرج للكلمات الفضفاضة التي لا مراد وراءها إلا التشكيك من وطننا والنيل من وحدته وإيجاد مدخل تخريب في نسيجه المتماسك بحمد الله تعالى.

اسأل نفسك قبل أن يسألك شُذّاذهم: لماذا يطالبون بلادنا بالكمال رغم أن الكمال لم يتحقق في أي عصر من عصور البشرية؟ ولماذا ينادون بالمثالية وهم براءُ منها براءة الذئب من دم يوسف؟ ولماذا يغمضون أعينهم عمداً عن إنجازات بلادنا المذهلة قياساً بعمرها القصير، ويحاولون كذباً اختلاق الأقاويل عن شعبنا وشرائحه المختلفة، وعلاقته بقيادته الكريمة التي لم تألُ جهداً في سبيل إسعاده وراحته ورفاهيته؟

سفينة الوطن أمانة في أعناقنا، ودّفتها في أيدٍ أمينة وهم أدرى بما هو في صالح الوطن، مهما خَفِي ذلك على هؤلاء الفلاسفة أو حاولوا التشغيب عليه، نعم، نحن مع قيادتنا في كل ما تُقرّه، وفي كل ما تراه، وفي أي طريقٍ تسلكه، ثقةً منّا بهم وبصدق نواياهم وبحبهم لنا وحرصهم علينا، وجدارتهم التي رفعت أسهم الإمارات وإنسانها عالياً، نحن معهم، نحن أبناء زايد، نحن لسنا شعب الراحة بل نحن رجال الشدائد وفرسان الرهان و«إخوان شمّا» فعلاً لا قولاً!