مشكلتنا مع روسيا!

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم أكن يوماً من خصوم روسيا، لكنني لا أوافق على الطريقة التي يعالج قادتها المسألة السورية من خلالها، ولعبت دوراً خطيراً في حجب حقيقتها عن الرأي العام الروسي والعالمي، باتهامها الحراك السوري المطالب بالحرية بالأصولية والإرهاب، وإعلانها تأييداً لا تحفُظ فيه لبشار الأسد، شجعه على قتل شعبه: بالسلاح الحديث والفتاك جدا، الذي ارسلته موسكو إليه بسخاء، و«المشورة» العسكرية التي قدمها جنرالاتها له، ومقاومتها تطبيق القانون الدولي عليه وحمايته وتمكينه من كسب الوقت اللازم لكسر الثورة وتهجير وإبادة الشعب.

للتغطية على موقفها المؤيد للقتل، بلورت الدبلوماسية الروسية مجموعة ترهات قدمتها بوصفها موقفا محايدا ونزيها، لا ينحاز إلى احد في الصراع السوري، أولها: إن روسيا ليست مهتمة ببشار الاسد ولا تتمسك به، وثانيها: إن الحل لا بد أن يكون سورياً / سورياً، بمعنى أنه لا يجوز للخارج التدخل فيه، وثالثها: ان روسيا لا تساند احدا في سوريا غير الشعب.

هذه المفردات المخادعة لم تخدع السوريين لسبب بسيط هو أن السلاح كان يتدفق طيلة سنوات الصراع على طرف واحد هو بشار الاسد، وأن تدفقه كان يزداد بقدر ما يحتاج موقفه العسكري والسياسي إلى دعم.

هذه الواقعة الصحيحة والتي لمس السوريون آثارها على جلودهم، كانت رد روسيا ذاتها على اكذوبتها الخاصة بعدم تمسكها ببشار، ودليلا دامغا على أنها تريد حلا غير متوازن، تفرضه قوة الاسد، لذلك عارضت اي تدخل خارجي في سوريا عدا تدخلها هي وطهران، الذي صاغته بحيث يجعل من الاسد معادلا لشعبها، الذي زعمت انها لا تساعد غيره، وأن السلاح الذي يرسل إليه لا يقتل الشعب، وكيف يقتله إن كان هو من يتلقاه ويستخدمه ؟!.

مع أنني لا انكر آن الإرهاب خطر لا بد من مواجهته بكل قوة وحزم وبصورة فورية ودولية، فإنني لا استطيع إخراج النظام الاسدي منه، لأنه ركنه الركين ومؤسس تنظيماته الأكثر اهمية، ومصدر سلاح ومال ومرتزقة معظم تشكيلاته. كما لا استطيع، كسوري يتعرض شعبه للقتل ووطنه للغزو، أن أنسى مرتزقة إيران، وأقبل تجاهل وجودهم الاحتلالي في سوريا، وقيامهم بعمليات على قدر من الفظاعة والقسوة يوازي ما تقوم به أية تنظيمات إرهابية اخرى، في أي مكان من العالم.

ماذا يعني مقترح بوتين غير طي صفحة الاجرام الاسدي وقبول الأسد ونظامه في الحلف الجديد، وبالتالي انقاذه من مصيره المحتوم أمام محكمة الجنايات الدولية أو إحدى المحاكم السورية؟.

وماذا يعني غير طي صفحة وثيقة جنيف واحد، التي وافقت روسيا عليها في يونيو من عام ٢٠١٢، لكنها أعاقت تنفيذها في لقاء جنيف ٢، وها هي تتقدم اليوم بمقترح ينسفها من أساسها ويجعلها كأنها لم تكن؟.

أخيرا: ما معنى نقلنا إلى مرحلة جديدة من الحرب في المنطقة قبل طي صفحة الصراع القائم منذ سنوات فيها، إذا لم يكن انقاذ الاسد ونظامه، والسعي إلى تعويمه وادراجه في إطار عربي اقليمي دولي جديد، يكون فيه أحد سادة الحرب في منطقتنا، بعد أن وصلت اوضاعه إلى الحضيض، وصار العالم يأنف من ذكر اسمه على لسان أي من ساسته، خارج روسيا وإيران طبعا؟.

يسوق لافروف مشروعا يعلم ان الشعب السوري، الذي يدعي دعمه، لن يقبل به تحت اي ظرف، لأنه مشروع اسدي بامتياز، ولعب دورا مهما في إفشال الوصول إلى حل يوقف القتل ابان مفاوضات جنيف ٢. هل توهم لافروف ان بعض السوريين الذين ذهبوا للحوار في موسكو يستطيعون تغيير مواقف الشعب السوري من الأسد، وتبرئته من جرائمه، وإقناعه بأن النظام يقاتل الارهاب ويدافع عنه؟.

لن ينجح لافروف في تسويق موقفه غير المنصف ولي عنق حقائق يعرفها كل سوري. وسينجح قطعاً وسيحمي مصالح بلاده، المهددة بسياساته، إن أقر بشرعية مطالب السوريين وحقهم في الحرية!.

Email