مقولات كارثية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تبنت اطراف سورية مقولات ألحقت ضرراً فادحا بالثورة وبوحدتها الوطنية، وعبرت عن مستوى شديد التدني من الوعي، تجلى في كثرة شعاراتها من جهة ،وافتقارها إلى برنامج سياسي يحكم جهود طرفيها السياسي والعسكري ، من جهة أخرى.

بين هذه المقولات واحدة سيطرت على عقل العوام الشعبوي ، جعلت هدف الثورة»اسقاط النظام بكافة رموزه وأركانه« ، أوهمت اشباه الثوريين أنه سيكون بوسعهم إسقاط رموز النظام والنظام دفعة واحدة ، كما انتشرت مقولة أخرى اعلنت أن الثورة تمد يد التعاون إلى أي مسؤول في النظام لم تتلوث يداه بدماء الشعب . بما ان جميع المسؤولين تلوثوا من رأسهم إلى اخمص قدمهم بالدماء، فإن هذه المقولة عنت بكل بساطة أن الثورة لن تتعاون مع احد من هؤلاء، وترفض بالتالي تطبيق وثيقة جنيف واحد حول حل سياسي ينهي الاقتتال الداخلي بالتعاون مع اطراف منهم.

ربطت هاتان المقولتان ، اللتان املاهما سوء فهم خطير للواقع، الثورة بموقفين أضرا كثيرا بها، جعل اولهما اسقاط الشخص مساويا لسقوط النظام ، رغم أنه لا ينهي بالضرورة الاعمال القتالية بين الثورة والنظام ، ولا يفتح الباب أمام تفكيكه ، أو تأسيس نظام بديل يريده الشعب، ستتطلب اقامته اعواما كثيرة في حال نجحت الثورة ولم تتعثر ، مثلما حدث في ليبيا ومصر واليمن .

بكلمات أخرى : قد لا يكون اسقاط الاسد نهاية الثورة ، أو نهاية الأعمال القتالية ، إن استولى مجانين من الجيش والأمن على السلطة وقرروا مواصلة الحرب ، بعد الاسد. أما اسقاط النظام فقد لا يعني انتصارالثورة، ان هي فشلت في تأسيس بديل ديمقراطي .

لو راعى العقل الشعاراتي، الشعبوي والعوامي ، الاعتبارات المفهومية والعملية ، للفصل بين إسقاط شخص وإسقاط مؤسسات وبنى مادية وقانونية يمثلها النظام ، ولاعتبر إسقاط الشخص مختلفا تماما عن اسقاط للنظام ، ولرأى في التماهي بينهما غلطة قاتلة تبطل حاجتنا إلى الخطط البرنامجية الضرورية لتغيير مؤسسات وبنى يستحيل التخلص منها في غيابها، لن تسقطها الشعارات والهتافات المعادية لها ، مع ان التمسك بها يحرف الانظار عن المهام القادرة على جعل سقوطها مسألة في متناول اليد.

يصدق الشيء نفسه على القول الآخر ، الذي لا يقبل التعاون مع من تلطخت أيديهم بدماء السوريين من اهل النظام. بما ان وجود هؤلاء في قيادة النظام يعتبر ضربا من الاستحالة ، فإن القول السابق يحول دون ايجاد شريك للمعارضة في اي حل سياسي، ويحول بالتالي دون الحل نفسه ، مع ما تعنيه هذه الاستحالة من حرب لا نهاية لها بين السوريين ، يسقطهم استمرارها كشعب ويدمر وطنهم ودولتهم ، ويقلب ثورتهم إلى أداة خراب عميم . من الضروري التخلي عن سخافة الايدي الملطخة بالدماء والقول من الآن فصاعدا : نحن على استعداد للتعاون مع اي شخص في النظام يوافق على وقف العنف ضد السوريين، ويسهم في نقل بلادنا إلى الديمقراطية ، تطبيقا لوثيقة جنيف واحد .

هذا القول سيمكن مئات وربما آلاف الملوثين بدماء السوريين من البحث عن سلام يصون حياتهم ، وسيشجعهم على قبول البديل الديمقراطي.

بهاتين النقلتين في الوعي والممارسة ، وما تمليانه من التزامات متبادلة ، سنسرع تفكك النظام ، وسنسهم في خلق اجواء ثقة بين السوريين تخرجهم من وضع يقوض قدرتهم على التوجه نحو مستقبل ينهض على شراكة نزيهة بين جميع مكونات جماعتهم الوطنية. لا بد من عقد سياسي وطني تعلنه وتلتزم به القوى السورية الراغبة في وقف القتل وتحقيق حل سياسي.

Email