أسئلة بشأن ثقافة التواطؤ الجماعي

ت + ت - الحجم الطبيعي

هل يمكن أن تستمر حياتنا؟! هكذا مسارات من التواطؤ والكذب والازدواجية والتمثيل؛ العالم المعولم غادرنا واتسعت الفجوات بيننا، وبين تطوراته المذهلة ولانزال نُعيد أسئلتنا القديمة وسياقاتها.

لا نفكر بجدية ولا نمارس التفكير النقدي، ولا نوصّفُ أحوالنا، ولا نحللها بصرامة وجدية، ونضع أيادينا على مواطن العلل في أفكارنا وسلوكنا، وفي تركيبة مجتمعنا، وفي موروثها، لأننا تركنا أمورنا رهينة لغة خشبية، وعشنا على مجموعة من الشعارات تستعاد بين الحين والآخر؟! بعض «النبهاء» ركزوا قليلاً حول نقد السياسة.

نتحدث عن الديموقراطية، وكأنها محض مؤسسات وقواعد وآليات عمل، بينما السياسة الغائبة، وخطابات النخب جميعها تبدو محض لغو وثرثرة مفارقة للسياسة ورؤاها وبرامجها وآلياتها!

خطابات بائسة حول الديمقراطية تتناسى أنها ثقافة سياسية ومنظومات من القيم، وأنماط سلوك وتجارب وتراث ومحركات سياسية واجتماعية!

بعضهم يتصور الديمقراطية وأفعالها السياسية، محض مناورات ومساومات فقط تدور بين النخب المتصارعة، بعيدة عن القواعد والقوى الاجتماعية؟

أحزاب مصرية بلا قواعد أو جذور اجتماعية، تعبر عن مصالحها، وتدافع عنها بل وتبلور هذه المصالح، وتحشد قواعدها وراءها! هل يعقل أن تكون الأحزاب السياسية الورقية تعبيراً عن قلة من بعض مؤسسيها وقادتها وبعض نسائها عند قمة هذه الأحزاب التي أسست دفاعاً عن مكانة ومصالح وأنشطة بعضهم الاقتصادية؟!

تواطؤات وتحالفات عارضة بين رجال الأحزاب ونسائها فيما بين بعضهم بعضاً، وفي مساوماتهم مع الدولة ورموزها وأجهزتها، من أجل استمرار نخبة حزبية تفتقر في غالبها إلى الملكات السياسية والخبرات إلا قليلاً!

هل يمكن أن تولد السياسة، والأحزاب، والديمقراطية دونما طلب اجتماعي غلاب على السياسة والفكرة الحزبية والحريات؟! هل من الممكن أن نواجه تحديات عصرنا المعقدة من خلال عقول أعدت للماضي، وتفتقر إلى تكوين مواكب لتحولات عميقة في المعرفة والسياسة والثقافة والاقتصاد العولمي؟!

هل يمكن أن يحدث تغيير اجتماعي قادر على خلق كتلة اجتماعية – متعددة المنابع، ذات عيون مفتوحة على الباثولوجيا الاجتماعية – أمراضنا- وأساطيرنا وأكاذيبنا، وتسعى إلى وضع أياديها على اختلالاتنا، دونما مراوغة، أو ممارسة لثقافة النفاق الاجتماعي والسياسي المصري للذات القومية، تحت تعلات شتى على رأسها تمجيد الذات المصرية على نحو مرضي، هو في ذاته تعبير عن أزمات ممتدة في العقل والثقافة والوعي المصري شبه الجماعي؟

منذ عديد العقود، ولا نزال نعيد بعضاً من نثارات الخطابات القديمة حول الشخصية الفهلوية، والشخصية الأمعية، والثقافة التسلطية ونتناسى أن مفهوم الشخصية القومية والهوية القومية تراجع في الدرس الأكاديمي السوسيولوجي، والأنثربولوجي، وأن تحولات عصرنا ما بعد الحديث تجاوزت المفاهيم الكبرى المتخيلة تحت إيقاعات الشرط ما بعد الحديث والعولمي، وانشطاراته وتذريه وتشظيه، ولا يزال عقلنا والوعي الجمعي أو شبه الجمعي يعيد إنتاج ذاته دونما متابعة بصيرة بما يحدث حولنا وبنا، والدنيا الجديدة التي نعيش فيها مستهلكين وغير منتجين، ولا ندرس مشاكلنا، ولا ظواهرنا، ولا تجارب الأمم الناهضة في عالمنا، في آسيا وفي بعض بلدان جنوب العالم!

نتناسى نقد المجتمع وتشريحه وتحليله، ومعرفة ظواهره! لم نعد إزاء مجتمع واحد موحد على نحو ما يبدو في خطابات السلطة والمعارضة! ننتقد الوزراء ورؤساء مجالس الوزراء، والبرلمانات، وبيروقراطية الدولة، ولا ننتقد المجتمع رغم الظواهر الخطيرة والممتدة، والأزمات البنيوية تبدو في صلب نسيجه، وذلك تحت وقع حالة مرضية تتجلى في مديح «الذات القومية»، تحت وطأة الهتافات والأغاني والأناشيد الإنشائية الخشبية التي يستكين تحت وطأة أسطورتها الكسل والكذب والرشوة واللاعمل واللامسؤولية واللاكفاءة، وتراث ممتد ويسري في فضاءات الأسرة والعمل والمسكن والإعلام، والتعليم وأساطير ثقافية وفي قلب لغو اللاسياسة.

ثقافة تواطؤ جماعي على فساد صغار الموظفين العموميين، وكسلهم وضعف كفاءتهم بمقولة الحاجة وعسر الحياة، بينما الرشوة واللاعمل إلا لمن يرشو! سلوك عام وشائع، وقلة فقط هي التي تعمل في صمت وتعاني دون أن تتلوث أياديها بإثم الرشوة أو الاختلاس أو الكسل.. الخ.

ظاهرة الغش الجماعي الوبيلة في ظل نظام وسياسة تعليمية ومناهج دون المستويات العالمية المقارنة، ومع ذلك شاع الغش ووراءه الأسر، وبعض المعلمين في إطار ما يبدو أنه مشروع للتواطؤ وللانهيار الجماعي! خذ ظاهرة تبرير الدروس الخصوصية من التلاميذ وطلاب الجامعات، والأسر، والمدرسين والمدرسات والمجتمع الذي قبل هذا الهدم العمدي للعملية التعليمية، ألا يعكس ذلك تهتكاً في نسيج التكوين المصري.

ظاهرة توريث المهن والوظائف الخطيرة التي تهدم مبدأ تكافؤ الفرص، وتفتح الباب عن سعة لتدهور مستويات الأداء المهني، وتردي الكفاءة كنتاج لتقنين نفوذ الآباء داخل المهنة، ولا أحد يراجع ويتساءل ويردع هؤلاء! وإنما تواطؤات داخل السلطة، وفي المهن، وفي سلوك بعض كبار الموظفين العموميين أو أساتذة الجامعات.

ظاهرة التواطؤ الجماعي على بعض أنماط السلوك الفاسد تنتشر بسرعة ووتائر وكثافة عالية، وتحطم معاني وثقافة المواطنة والمساواة، وتكافؤ الفرص، ومبدأ سيادة القانون، والأخطر صياح هؤلاء الذين يدافعون عن تقنين التوريث الفاسد للوظائف والمهن داخل السلطة أو خارجها.

لن نتحرك خطوة جادة للأمام دون مواجهة نقائصنا، وفشلنا ومصادره وخيباتنا المتعددة، ونتحرك للعمل بعيداً عن الهتافات والصياح والنفاق الفردى والجماعي.

Email