هل تحالف الغرب مع إيران هو الحل؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

تتردد دعوات من بعض الساسة والمحللين بأن من مصلحة الغرب ترويض إيران والتحالف معها، وأن التشدد السني هو مسبب الأزمات في المنطقة. واعتبروا أن القاعدة وبعدها داعش هي نتاج لهذا الفكر ، وبالتالي فهم يدعون لتغيير جوهري في موازين اللعبة السياسية في المنطقة.

تتصادف هذه الدعوات مع الوقت الذي تبذل فيه القوى العظمى محاولاتها الأخيرة لعمل اتفاق بشأن السلاح النووي مع إيران يرفع عنها العقوبات. وإيران التي كانت تندد بالشيطان الأكبر وتصدر موضة الدعوات الشعبية الموت لأمريكا، ضبطت وهي تمارس النوم في الغرف الخلفية مع الشيطان الأكبر، وفجأة يتحول الحديث عن العم سام إلى لغة هادئة ودعوة للانفتاح وبناء مصالح مشتركة.

وربما كانت مقالة السير كريستوفر ميير، السفير البريطاني السابق في واشنطن في صحفية ديلي تلغراف البريطانية، مجسدة بوضوح لهذا التوجه، وهو يقول: إن مصلحة الغرب مع الإيرانيين وليس مع العرب. وهو يعتبر أن محاربة داعش والتنظيمات المتطرفة تتطلب التحالف مع إيران. والخطورة أن دعوات مثل هذه تستخدم التبسيط السياسي لواقع المنطقة وتكرار لأخطاء استراتيجية وقع فيها الغرب وكأنهم لم يتعلموا.

لعبة التحالفات في المنطقة خطيرة، والتاريخ السياسي يتذكر لعبة المحاور والتدخلات الخارجية والنتائج المأساوية التي أفرزتها هذه السياسات. والقضية ليست في المنطقة صراعاً سنياً - شيعياً، رغم محاولة الكثيرين تصويرها على هذا النحو، بل هو خلاف سياسي بحت يقوم على ايدلوجيات سياسية مختلفة. فالنظام الايراني أتى إلى الحكم ومعه أفكار تصدير الثورة وأدلجة الشعوب. واستخدم المذهبية وسيلة في السياسة، بينما الفكر السياسي في دول الخليج يعتمد على تجنب المشاكل والحروب وتقديم العلاقات الدبلوماسية والمصالح الاقتصادية. والثقافة السياسية لهذه الدول بعيدة في تركيبتها عن بيئة الثورة ومصطلحاتها.

وإذا كان يعتقد كريستفور وغيره من المحللين السياسين أن عملية التبديل السياسي في المنقطة مجرد ضغطة زر، وبعدها الأمور ستكون طبيعية ويتم حل المشاكل الموجودة، فهو يكشف عن جهل كبير بالسياسة الداخلية والتركيبة الاجتماعية في المنطقة. وسيتورط الغرب في الرمال المتحركة في المنطقة التي تحتاج إلى خبير يدرك مفاتيحها.

السياسة الإيرانية حتى وهي في المقاطعة والعقوبات المفروضة عليها تمارس تدخلا سياسيا في الشؤون الداخلية للدول العربية، وتدعم ميليشيات، وهي -أي إيران- قاسم مشترك في المشاكل السياسية الموجود في المنطقة.

ومن السذاجة السياسية أن يعتقد أي شخص أن إيران سوف تتحول إلى حمل وديع بمجرد رفع العقوبات عنها. نفترض أن يكون الحديث عن وجود التزام إيراني بوقف تدخلاتها في الدول العربية واحترامها لسيادتها، وأن يكون ذلك الالتزام عن طريق مجلس الأمن حتى يضمن التطبيق الفعلي. القضية ليست فقط في السلاح النووي بل في العمل السياسي النشاز لجمهورية إيران.

علاج الخطأ بالخطأ هو تصرف بعيد عن السياسة فداعش وبقية التنظيمات الإرهابية هي نتاج لتخاذل غربي في أزمة سوريا، مما فتح المجال لنشوء وتوسع هذه التنظيمات.

كما أن السياسية الطائفية التي قادها رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي ساهمت في تأجيح الطائفية داخل العراق وتهميش مكونات أساسية في المجتمع العراقي، وهذه العوامل فتحت المجال لانفلات أمني وسقوط مساحة تعادل ثلث الدولة في ساعات معدودة.

الحل ينطلق من الفرصة الحالية؛ فإيران من الداخل تشعر بضغط وتأثير هذه العقوبات على الاقتصاد الداخلي. وأي اتفاق يعطي الفرصة لايران أن تتمادى في سياساتها التوسعية هي سياسة انتهازية قصيرة المدى، وسوف يفتح باب جهنم في المنطقة ويفتح سلسلة من الحروب.

رغم كل المتغيرات في المنطقة تظل منظومة مجلس التعاون الخليجي مع شقيقاتها الدول العربية الرئيسة مثل مصر والأردن والمغرب هي صمام الأمان الموجود في العالم العربي، تحميها سياستها المعتدلة التي تهدف الى تجنيب المنطقة صراعات الحروب والأزمات. ومن مسؤولية القوى العظمى في العالم لعب دور مهم في تعزيز السلام والأمان في المنطقة. بينما اللعب على التناقضات والتذاكي في التنظير والاستسهال في فهم الواقع هو قصور في الإدراك السياسي.

Email