الدبلوماسية الإنسانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

تسعى الدبلوماسية الإنسانية إلى جمع أصحاب الأيادي البيضاء والقلوب الرحيمة مع المحرومين والمعوزين والمحتاجين في ظاهرة إنسانية جميلة يكون الجميع فيها رابحاً؛ حيث تتولد عند أهل الخير والعطاء مشاعر البر والإحسان فيتعزز لديهم الالتزام الجاد تجاه رفع المعاناة عن إخوانهم الفقراء والأقل نصيباً من حظوظ الدنيا، كما يبعث هذا التلاقي في نفوس المحرومين الطمأنينة والأمل في حياة كريمة.

وبحسب الاتحاد الدولي لجمعيات الصليب الأحمر والهلال الأحمر فإن الدبلوماسية الإنسانية تهدف إلى حشد القدرات وتعزيز الشراكات بين مختلف الأطراف الفاعلة في المجتمع المدني المحلي والمجتمع الدولي لأجل تلبية احتياجات الضعفاء والمحتاجين، كما تهدف إلى زيادة فرص الوصول إلى صانعي القرار وإقناعهم ثم التعاون معهم لدفع البلاء أو رفع المعاناة عن البشر، وتأكدت أهمية دور الدبلوماسية الإنسانية في العقدين الماضيين، حيث شهد العطاء الإنساني تحولات استراتيجية كبيرة شملت الإنسان والبيئة والجغرافيا بل وكل مكوّنات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والأمنية والفكرية والثقافية.

ومع هذه التحوّلات تطوَّرت الدبلوماسية الإنسانية إلى عمل مؤسسي يحظى بحضور مشهود على الساحة الدولية، وأصبحت هذه الدبلوماسية ثقافة مهنية تتبناها مؤسسات وجمعيات النفع العام الراقية في سعيها إلى التميز في تقديم خدمات إنسانية بنهج مبدع وخلاّق، حيث شهد قطاع العمل الخيري والإنساني بروز مؤسسات عابرة للقارات مثل هيئة الهلال الأحمر الإماراتي التي غطت خدماتها قارات العالم كافة، ومؤسسة خليفة بن زايد آل نهيان للأعمال الإنسانية التي تنفذ مشاريعها الموسمية والتنموية في أكثر من 70 دولة، كما شهد الإبداع الإنساني في العقد الأخير مولد "صندوق محمد بن زايد للمحافظة على الكائنات الحية" كمشروع حضاري خيري عملاق يهدف إلى دعم التوازن الحساس لنظم البيئة بغرض الحفاظ على الأنواع الحيوانية والبيئية بما يحقق التوازن البيولوجي ويدعم استمرارية الحياة على كوكب الأرض.

أرسى القائد المؤسس الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، دعائم هذه الدبلوماسية وتبوأت دولة الإمارات في عهده، رحمه الله، مكانة متقدمة بين الأنظمة الخيّرة في العالم، وأصبح عطاء زايد لا يعرف الحدود الجغرافية والحواجز العرقية والاختلافات الثقافية، وأصبحت الدولة سبّاقة في حشد الموارد وجمع قوى العالم الخيِّرة لتتحمل مسؤوليتها الأخلاقية في التحرك السريع والفاعل لتخفيف معاناة البشر في كل نواحي المعمورة. واليوم يُكمِّل هذه الجهود والمبادرات النبيلة ويقودها صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله ورعاه، فأصبحت الدبلوماسية الإنسانية إحدى ركائز السياسة الخارجية الإماراتية، وفي عهد خليفة الخير انطلقت مبادرات رائدة في التفكير الإبداعي الخلاّق تجاه العمل الإنساني يوجهها صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، فانطلقت مبادرة دبي العطاء في عام 2007 لتعزز فرص التعليم الأساسي للأطفال في الدول النامية، ثم نور دبي لتعالج مئات الألوف من البشر الذين يعانون من مشكلات في النظر والإبصار، ومبادرة سقيا الإمارات لتروي ملايين الناس في بلدان قريبة وبعيدة، وهذا العام نلمس جميعاً هذا الحنان الأبوي الجياش من خلال إطلاقه لمبادرة الإمارات لصلة الأيتام والقُصّر لتصبح الإمارات، كما قال سموه: "نموذجاً عالمياً للتراحم والتماسك والتآلف بين جميع فئات المجتمع".

والراصد لهذه الدبلوماسية يجد أنها تشمل العمل الإنساني بشقيه الإغاثي وهو الاستجابة السريعة لفواجع الدهر وكوارث الطبيعة كالزلازل والفيضانات والحروب وغيرها، والشق التنموي وهي المشاريع الكبرى التي تهدف إلى إعادة بناء ما خلفته تلك الأزمات، ومبادرات تعمير المدن والقرى والمجتمعات المدنية، ومن خصائص هذه الدبلوماسية: الشمول والتكامل، حيث تنفذ المؤسسات الإنسانية الإماراتية مشاريع تُكمِّل بعضها البعض بحسب المتطلبات التنموية في كل قُطْر، ومن خصائصها هذا التنسيق الرائع بين الجهات المعنية بالعمل الإنساني والتنموي، ومن خلال الهلال الأحمر الإماراتي ووزارة التنمية والتعاون الدولي وبالتعاون مع وزارة الخارجية وسفاراتنا في الخارج، كما أنَّ المرونة أصبحت سمة بارزة في دبلوماسيتنا الإنسانية، حيث بلغت مؤسساتنا الإنسانية من القوة والنفاذ ما يمكنها من التصدي لآثار الكوارث والأزمات في مناطق عدة حول العالم في الوقت والزمان نفسه.

وبفضل القيم الإنسانية التي رسّخها الآباء المؤسسون، رحمهم الله، والمبادرات السخية لصاحب السمو رئيس الدولة، حفظه الله، وإخوانه حكام الإمارات، وما تقدمه المؤسسات والجمعيات الخيرية والإنسانية في الدولة احتلت الإمارات العربية المتحدة المركز الأول عالمياً في المساعدات والعطاء الإنساني، نسبة إلى دخلها القومي، وبذلك تجاوزت أعلى نسبة حققتها أية دولة منذ 50 عاماً.

Email