وصفة رمضانية

ت + ت - الحجم الطبيعي

لغة عالمية، لا تحتاج إلى مترجم ولا معجم.. يتقنها الصغير قبل الكبير، ويتحدث بها الغني والفقير.. قواعدها ثابتة منذ بدء الخليقة، لكن تعددت الأسباب.. هي لغة الألم.

عند إصابة أي خلية في جسم الإنسان وموتها، سواء كان السبب سقوطاً على الأرض أو هجوماً ميكروبياً أو عضة نملة، تتكسر جدران الخلية وتتسرب منها مركّبات خاصة. هذه المركبات هي التي ترسل إشارات خاصة لمركز الألم في الدماغ، وحينئذ ينطلق جرس الإنذار، ويبدأ شعور الألم بالظهور.

هنا، تتجلى عظمة الخالق في تكوينه لهذا الجسم اللامتناهي في ألغازه، فلو تم وضع جسم ثقيل على أرجل عدد من الأشخاص، وفي الظروف نفسها، ستجد الأول ساكناً لا يتحرك، بينما الثاني يصرخ من الألم، والثالث ينزعج قليلاً. هذا التناسب في رد الفعل، يؤكد تفاعل الروح مع الجسد بدرجات شتى من فرد لآخر، ودورها القيادي في تحديد قدرة التحمل من جسد لآخر.

في السنوات الأخيرة، استطاع العلم أن يتوصل لأنواع عديدة من مسكنات الألم، وتم تصنيفها لدرجات تتراوح من الضعيفة إلى القوية في مفعولها. الضعيف يسكن الألم في مكان الجرح أو الإصابة، مثل الشد العضلي، والقوي يؤثر في مركز الألم الرئيس في الدماغ مسكناً الألم المبرح، مثل أوجاع الأورام السرطانية في مراحلها الأخيرة وآهات مرض الروماتيزم الشديد.

والحذر كل الحذر من هذا القوي، سواء كان من عائلة الترامادول أو المورفين. فرغم مفعوله الساحر في تخفيف صريخ المتألمين في ظلمة الليل، إلا أنه متى ما استخدم بشكل مستمر عند الأصحاء، فإنه يفتح الباب لعالم الإدمان، مضيفاً اسم مستخدمه إلى لائحة الهاوية الأكيدة.

في خضم كل المسكنات المتوفرة، هناك نوع مهم جداً من مسكنات الألم، ومتوفر بشكل مجاني عند الكل، وهو الدماغ. فعند استخدام هذا العضو وإخضاعه لتمارين التركيز الذهني واليوغا، فإنه يزيد من قدرة تحمله لإشارات الألم، مثل ما يتم تدريب العضلات لتحمل أوزان أثقل. وطبعاً، لا ننسى دور العبادات من الصلاة والصوم، متى ما تمت بعمق وتوجه، في ترويض النفس، وتأثير ذلك في زيادة قدرة تحمل الجسد للمشقات، ومنها الألم.

ألم الجسد يجعلني أقف وأتساءل: ماذا عن ألم الروح؟ ماذا عن ألم عقوق الولد لوالديه؟ ماذا عن ألم فراق الأحبة؟ ماذا عن ألم الخيانة؟

المحزن في الأمر، أن ألم الروح وصل إلى درجة من التعود والروتين اليومي، لم يعد ينفع معها مسكن ولا مرهم. الصغير يرفع صوته على الكبير، والشاب يستهزئ بالمسن، والغني يحتقر الفقير، والصديق يخون صديقه..

وها هو أقبل علينا شهر الرحمة والمغفرة.. شهر رمضان المبارك... وصفة علاجية ذهبية، سواء كانت لألم الجسد أم لألم الروح. فالجسد يدخل في تمرين يومي قاس، ولمدة شهر كامل.. فرصة لا تعوض لتدريب الجسد على تحمل الألم، وعدم اللجوء للحبوب المسكنة عند أقل وجع ووهن.

أما بالنسبة لألم الروح، فهذا الشهر يوفر الأرضية المناسبة للخروج من مسببات وجع الروح بأنواعه. قبلة حميمة هنا، وزيارة صلة رحم هناك، ومسامحة المخطئ وكظم الغيظ.. ترنيمة روحانية تزيل ما ترسب من ألم الروح في أطراف الأشهر والسنوات الماضية، فاتحة الطريق لدخول مسكنات الألم من الصفح والابتسامة والرحمة بكل قوتها..

في أروقة علاقتنا المتجمدة. ونكون بذلك أرجعنا الروح لحديث أشرف الخلق عليه الصلاة والسلام: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، مثل الجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو، تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمى».

 

Email