لماذا السعوديون في روسيا… الآن؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

في سانت بيترسبيرغ في روسيا كانت السعودية حاضرة بقوة الأسبوع الماضي. ورغم ضخامة المؤتمر الاقتصادي الذي كان يعقد هناك بحضور المئات من المسؤولين ورجال الأعمال في العالم. إلا أن زيارة الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي ووزير الدفاع والذي رافقه فيها وفد عالي المستوى ومجموعة من رجال الأعمال السعوديين كانت محل اهتمام واضح من المسؤولين الروس والإعلام الروسي.

السعودية ترفع من إيقاع العمل السياسي وتضع مصالحها بقوة على طاولة المفاوضات. ولم يكن غريبا هذا التوجه السعودي إلى روسيا. فالعلاقة التي شابها الفتور السنوات الماضية كانت تحتاج إلى دفعة جديدة تمنح الفرصة لعلاقة إيجابية بين الطرفين. وكانت المكالمة الهاتفية بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز والرئيس فلاديمير بوتين في 20 أبريل الماضي مؤشرا على أن الدفء في العلاقات الثنائية بدأ يعود بين البلدين. وجاءت الزيارة الأخيرة كتدشين واضح لمرحلة جديدة من العلاقات الثنائية بين البلدين.

الأمير محمد بن سلمان كان صريحا في مباحثاته مع بوتين في اجتماعهم الذي استغرق اكثر من الوقت المحدد له، وركز على تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين باعتبارها البوابة لصناعة تقارب استراتيجي يخدم شعوب البلدين ويمهد الطريق لمواقف سياسية مشتركة في القضايا الإقليمية. وهو يعكس الأسلوب السياسي للقيادة السعودية فالانفتاح على العالم وبناء مصالح مشتركة ومد الجسور مع الشرق والغرب هو فكر سياسي سعودي متطور يتضح من خلال الممارسات للدبلوماسية السعودية.

السياسة في فكر القيادة السعودية هي خدمة مصالح الدولة أولاً وفتح آفاق جديدة. فالعالم الآن يتجه ويتحرك بلغة المصالح. والسعودية لديها موارد ضخمة واحترام عالمي وهي تحتضن الحرمين الشريفين كما أنها تلعب دوراً قيادياً في المنطقة. ومن خلال هذا التوجه تتحاور مع الآخرين من منطلق القوة والندية وتحقق مصالح لطرفها وللطرف الآخر. وهذا مفهوم السياسة.

فالسياسة السعودية لها ثوابت راسخة ومعروفة. أكسبتها احترام العالم وثقة الدول في العمق السياسي للرياض. وفي الوقت نفسه هي تتجدد في الأسلوب والممارسة والأدوات السياسية والتي عكستها القيادة السعودية الجديدة وجذبت انتباه واحترام العالم.

وكان كثير من الصحفيين الروس الذين التقيناهم أثناء الزيارة في سانت بيتر سبيرغ يسألون ماهو التغيير الجديد في السعودية؟. فخلال الأربعة الشهور الأولى من تولي الملك سلمان الحكم تقود السعودية تحالفا دوليا نادرا لدعم الشرعية في اليمن، وتنجح في حشد تأييد سياسي غير مسبوق من دول العالم للعمل العسكري. وفي الوقت نفسه تنفتح سياسيا على دول العالم وتفرض الصوت السعودي في عواصم العالم باستقلالية ووضوح.

والجواب أن السياسة السعودية لديها قيم ثابتة ولكنها متجددة في الفكر والأسلوب، تتعامل مع المعطيات بالواقعية وفن الممكن. وتدرك أن المصالح هي التي تقرب الدول. وهي تستند إلى معطيات قوية تمنحها فرصة بتحقيق منافع اقتصادية لها وفي الوقت نفسه مقتنعة أن الاقتصاد سيقود السياسة في نهاية المطاف. أي أن السياسة السعودية تستند الى البراغماتية السياسية التي تجعل إيقاع الحركة لديها أسرع وأقوى في التأثير.

وهذه الممارسة السياسية هي التي تنطلق من فكر سياسي وتستند الى محاور لتحقيق المصالح العليا للدولة. وتتجه الى ترسيخ العلاقات الدولية وتحقيق التوازن وبناء شراكات استراتيجية واسعة تصب في مصلحة الدولة ومواطنيها في مختلف المجالات السياسية والاقتصادية والتنموية وغيرها.

وهذا هو الهدف الأساسي للسياسة، بينما دول أخرى تمارس السياسة كوسيلة للاستعراض والتوسع من اجل مطامع دفينة، واستنزاف مصالح شعوبها في حروب بالوكالة في أكثر من جهة بينما شعوبها تعاني الفقر والمعاناة والكبت.

السعودية واضحة في هذا المجال. السياسة من أجل مصلحة المواطنين. ولهذا اصطحب الأمير محمد معه وفدا مهما من الوزراء أثمرت عن توقيع ست اتفاقيات مهمة كلها تدور في خدمة التصنيع والإسكان والزراعة والطاقة وعلوم الفضاء والاستثمار.

ورغم أن اتفاقية مشاركة التقنية الروسية في بناء 16 مفاعلاً نووياً للأغراض السلمية استحوذت على اهتمام الإعلام، إلا إن الاتفاقيات الأخرى مهمة وستفتح المجال لتعاون سعودي روسي غير مسبوق كما وصفها يوري أوشاكوف مساعد الرئيس الروسي للشؤون الخارجية.

وروسيا التي تواجه مقاطعة اقتصادية من الدول الغربية حريصة على مد الجسور مع دول مهمة تستطيع أن تكون معها شراكات اقتصادية قوية. والأمير محمد بن سلمان الذي استطاع أن يصنع زيارة ناجحة بكل المقاييس ويكسب احترام الروس بحضوره وشفافيته في الطرح والحوار، أكد للقيادة الروسية جدية السعوديين في نقل العلاقة مع روسيا إلى مرحلة جديدة تخدم شعوب البلدين.

فلسفة السياسة السعودية كما يراها الأمير محمد بن سلمان أن العلاقات الإيجابية والمصالح المتبادلة هي التي تمنح السياسة الدفعة والزخم المطلوب لتحقيق التقارب. وهو يرى أن العلاقة الإيجابية مع طرف لا تعني بالضرورة أنها على حساب طرف آخر. فكما يصف الولايات المتحدة بأنها حليف قوي وصديق دائم يرى أن روسيا علاقة ذات إمكانات نمو هائلة لم تستثمر بعد. ولذلك يترقب كثيرون نقلة نوعية في العلاقات الثنائية السعودية الروسية سوف تقود إلى مصالح تتجاوز الاقتصاد لتشمل السياسة وتتسع مساحتها لتتجاوز السعودية إلى القضايا الإقليمية العربية.

Email