هل تحتاج السعودية إلى السلاح النووي؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

السعودية تراقب ما يحدث في محيطها وهي دولة مهمة ولديها مسؤوليات محلية وإقليمية. وهي معنية وشقيقاتها دول الخليج بالاتفاق النووي الذي يجري محاولة الانتهاء منه قبل 30 يونيو بين مجموعة خمسة زائد واحد وإيران. ومن الطبيعي أن تهتم دول الخليج بتفاصيل هذا الاتفاق فهذه الدولة تشاركهم الحدود البحرية ولديها نشاط توسعي مقلق.

وقد عبر مسؤولون خليجيون عن قلقهم من التوجه الإيراني، فيما قال السفير السعودي في لندن الأمير محمد بن نواف، إن جميع الخيارات ستكون مطروحة على الطاولة.

ويبدو أن القراءة من الجانب الأميركي متناقضة، فهناك تأكيدات أميركية أن السعوديين لن يقدموا على تصنيع السلاح النووي، ومن جانب آخر هناك تحذيرات من إقدام السعودية على هذه الخطوة. وكان اللافت للانتباه المقالة التي أثارت جدلاً للكاتب الأميركي الهندي الأصل، فريد زكريا، في جريدة «واشنطن بوست»، وفيها يتهكم على قدرة السعودية على إنتاج السلاح النووي،..

ويقول إن السعودية لم تقم بتصنيع سيارة حتى الآن فكيف لها تصنيع السلاح النووي. ويشير زكريا إلى أن السعودية لم تنجح في التصنيع وأن حصة التصنيع في الناتج المحلي الإجمالي عشرة في المئة وأن العائدات النفطية تمثل 90 في المئة من عائدات الحكومة السعودية.

والواقع أن المشكلة تبرز حينما تكون نصف المعلومة متاحة للشخص ومن ثم يبنى عليها مقالته، فالجهل الكامل في بعض الحالات أفضل، لأنه يمنع الشخص من إصدار الأحكام.

فالسعودية هي الاقتصاد الأكبر في المنطقة، وحازت المركز الرابع عالمياً وفق مؤشر بيئة الاقتصاد الكلي، الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي، والمركز الثالث عالمياً في دفع الضرائب، وفق تقرير ممارسة الأعمال الصادر من البنك الدولي. وهي عضو في مجموعة العشرين التي تمثل أهم عشرين دولة تحدد مسار اقتصاد العالم.

والقضية هنا ليست في الدفاع عن السعودية. فهناك مجالات لم تنجح فيها السعودية، وهناك نقاش صريح وشفاف داخلي لمعالجة الثغرات وهذا أمر طبيعي في أي بلد. لكن الخطأ الذي وقع فيه زكريا هو الربط المبسط بين عوامل التصنيع والتعليم من جهة، وتصنيع السلاح النووي من جهة أخرى، لإثبات أن السعودية ليست قادرة على إنتاج السلاح النووي ولا حتى بعد عشر سنوات.

بينما ما يدركه زكريا ولم يقله، هو أن دولاً مثل باكستان وكوريا الشمالية، استطاعت تصنيع السلاح النووي. وأن التقنية ذاتها لم تعد قضية، فهذه العراق مثلاً كانت قبل 34 عاماً، قاب قوسين أو أدنى من الحصول على السلاح النووي لولا قيام إسرائيل بتدمير المفاعل النووي في خطوة استباقية. وإيران نفسها وهي تسعى للحصول على السلاح النووي تواجه حملة من قوى العالم، لأنها تدرك أنه يمكن لإيران إنتاج السلاح النووي.

قضية تصنيع السلاح النووي لن يكون فيها العائق تقنياً. فهناك دول عدة صنعته، وبالتالي المسائل لم تعد من الأسرار. خصوصاً أنها تقنية قديمة.

وكما قال المحلل السياسي الأميركي جيفري لويس، مدير برنامج حظر انتشار الأسلحة النووية بمركز جيمس مارتن، في مقال له في مجلة «فورين بوليسي» السبت الماضي 13 يونيو، رداً على ادعاءات فريد زكريا بأنه مازال متخيلاً أن العملية معقدة مثلما كانت عليه في عام 1945، ووصف تلك الحجج التي ساقها بأنها واهية ومضللة وتستند إلى استدلالات باطلة. وقال إن مقال زكريا يوضح جهل الكاتب بالتقنيات المطلوبة.

ويبدو أن فريد زكريا، لم يحالفه الحظ في هذه المقالة، وهذا لا ينفي أنه كاتب مهم ومؤثر وله برنامج أسبوعي في «سي إن إن» مميز، لأنها حملت على السعودية كدولة متأخرة عن الركب في المجال التعليمي والتصنيعي..

وبالتالي فلا يوجد قلق من أن السعودية سوف تنتج سلاحاً نووياً، وهي قراءة ناقصة. وربما يجهل أن السعودية أسست مركز الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة في 2013 ضمن خطة لإنشاء استراتيجية وطنية لمنظومة متكاملة ومستدامة للطاقة الذرية والمتجددة في السعودية.

وهو مشروع يهيئها للدخول بقوة في مجال الطاقة النووية، والتي قالت إنها ستوظفها في المجال السلمي. كما أن السعودية لديها نحو ربع مليون طالب يدرسون في الجامعات العالمية سواء في الولايات المتحدة أو في أوروبا والشرق الأقصى. وهي الدولة الأكبر في المنطقة في الاستثمار في التعليم والتدريب.

السلاح النووي ليس القضية في الحصول عليه، إنما في القرار نفسه. هل نحصل على السلاح النووي أم لا؟ هنا القضية. السعودية تتبع سياسة متوازنة وأكدت أكثر من مرة دعوتها لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من السلاح النووي. وهي تمارس سياسة واضحة في هذا المجال. وتدرك أن حصول إيران على السلاح سيفتح المجال لسباق محموم للحصول على السلاح النووي.

السعودية تملك مشروعاً تنموياً هائلاً، ولديها طموحات كبيرة في مشروعات تخدم مواطنيها، وهي ليست بصدد المنافسة أو السياسات الاستعراضية. فالحصول على السلاح النووي خطوة واحدة ولكن ما بعد ذلك تكون الفاتورة عالية، لأن المترتبات على الحصول على السلاح النووي هي الإشكالية الحقيقية. ولذلك تاريخياً لم تسع السعودية للحصول على السلاح النووي ولم يكن ضمن أولوياتها.

لكن حصول قوى إقليمية لها طموحات توسعية واضحة تجعل الجميع في حالة قلق. ولذلك تضع كل الاحتمالات على الطاولة. ومؤتمر القادة الخليجيين مع الرئيس الأميركي باراك أوباما في كامب ديفيد كان صوتاً مهماً، ليس فقط للتعبير عن القلق، بل لوضع خارطة طريق للمنطقة تجنب دولها الانحدار إلى عالم الدمار الشامل.

 

Email