رمضـــانُكم هذا العـــام برمضـــائه بعد 33 عـــاماً !

ت + ت - الحجم الطبيعي

إيلافكم يا قريش كلّ عام، يُقال إنها لكم بإيلاف رحلة الصيف دون الشتاء هذا العام..!

وعلى ذمّة الراوي: إن كان ما تكهن به الفلكي السعودي عبدالرحمن محمد الغامدي ونشرته بعض الصحف صحيحاً بأن:
•       شمس رمضانكم تغيب متأخراً هذا العام.!
•       وتشرق مبكراً هذا العام.!
•       وتطول فترة صيامكم إلى 15:15 ساعة هذا العام.!
•       وأن درجات حرارة رمضانكم قد تلامس 65 درجة مئوية في الشمس هذا العام.!
•       وتخترق 50 في الظل هذا العام.!
•       وأن جميع دول المنطقة موشكة على الظمأ الّلاهب الرمضاني، إذ إن يوم (21 يونيو 2015) هو يوم الدخول الفعلي لفصل صيف هذا العام.!

فذلك يعني نحن برمضاء رمضان لم يسبقه هكذا جمر بالحرارة وطول بالنهار منذ 33 عاما.!

والمنجّمون مهما صدقوا بالوعد والوعيد فيما مضى وإن كذبوا (والعكس هو الأصح) .. فقد ضعُفوا بهذا الوعيد وذبلوا في ذاتهم  بدل أن يزرعوا الرعب والتخويف في ذوات الآخرين..!

إنهم يرسمون منطقة الرعب بجميع (دول المنطقة).! .. ويغفلون أنها المنطقة ذاتها المعهودة بلهب شمس بيت العتيق منذ فجر الإسلام من مكة والمدينة دون خوف من الجوع والظمأ .. فأبناؤها لها وبها بالزمزم والتمر يا المنجّمون، ودون أدنى التفاتة إلى ما بالقطب المتجمد الشمالي من جليد الآيسلاندك والآيسكيمو والآيسكريم مما أنتم لها ودونها..!

الخائفون من صوم هذا العام، هم العاجزون عن فهم الصوم كل عام، وبأن (الصوم) ثقافة و(الجوع)  لغة .. والجار المثقف وإن كان هو زميلك بثقافتك، فليس بالضرورة أنه يجيد لغتك وأنت تجيد لغته.

وعلينا ان نكتسب اللغة الثانوية المشتركة .. ومما أفهم في لغة الجوع، أننا لانصوم لنتعلم به لغة الجوع الظاهري، قدر ما لنتعرف من خلاله على إحساس الجائع الداخلي ..

فأبناء المنطقة التي أنعم الله عليهم ثروات أراضيها بينابيع الخيرات تلو الخيرات، أزالت النعم عن الذاكرة معنى الجوع والعطش لذلك البدوي الذي كان يوما، يقطع الوديان والشطآن جرياً ولهثاً  وراء الماء والكلأ ، ولن يفهم اليوم لغة الجوع والعطش من التكييف المركزي للقصور والفلل، ولا تغنيه لغة الأسفار بالليموزين والطائرات الى الشام والعراق ما أغنت أجداده يوماً على الناقة والبعير.

أنا من جيلٍ لم ألتحق برحلة الشتاء والصيف على النوق والجمال، فتحت عيني في حارة فقيرةٍ مضجوجةٍ بدوىّ أصوات السيارات دون أن أملك سيارة، وكنت أفتخر إذا ركبت سيارة صديق لي او صديق صديق لي، وافتخر أكثر إذا نزلت أمام ربعي من سيارة أجرة، وادفع الأجرة من جيب واحد دون أن افتش بقية الجيوب .. لأني من أبوين فقيرين كانا لايملكان حتى ثمن إطارات السيارات في تلك الأيام، كانا يعملان بشق وعناء ليُعلّماني، يعملان دون ان يطلبا مني "اعمل، اكسب، اربح" بل طلبا مني دائماً "اقرأ" و "اقرأ" .. والوالدة رحمها الله كانت تغسل كندورتي "الدشداشة" وانا انتظر في الظل لتجفّ في الشمس، وهى تقول لي "اقرأ ياولد" وأنا في الشمس و"اقرأ ياولد" وأنا في الظلّ.!

ومن قراءاتي في الظلّ والشمس، أن اول يوم صوم في حياتي كان يوم شتاء قارس، وكنت قد بلغت من العمر 11 عاما، وصمته طوعاً لا جبراً، ولم يهاجمني الحر والعطش، ورغم ذلك غلبني الجوع، فلم أنتظر لصوت المدفع، وإنما تسلّلت عيناي قبل غروب الشمس خلسةً نحو قدرٍ يغلي بحبيبات من الفول الأسود خلف المرحومة أمي في غرفة ضيقة متواضعة هي المطبخ وهي المجلس وهي غرفة الطعام وهي غرفة الضيوف، مفروشة بقطع حصير ممزق من سعف النخيل يسكنها الغبار، لكن تسكنها الملائكة.!

نعم وأجزم بأنها كانت مسكونة بالملائكة.! .. لأنها لم تكن التحقت بتلك الفضائيات الشيطانية للقنوات، ولا المواقع الإباحية للشبكات .. كانت تصبح قبل خيوط الفجر وتمسي بعد غروب الشمس على آيات من الذكر الحكيم بصوت المقرئ المرحوم عبدالباسط عبدالصمد، من جهاز تسجيل صغير كان قد جلبه والدي رحمه الله من مكّة المكرمة أيام الملك عبدالعزيز وهو يؤدي فريضة الحج لأول مرّة بعد ولادتي بشهرين، وكان يفرضها  الوالد علينا يوميا سمعاً وإنصاتاً وهو يردّد: (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا).

ابن 11 عاما إن كان في يوم رمضاني شتائي قصير قبل 33عاما، هو القاصر العاجز المستسلم أمام حبّة فول أسود .. فإنه اليوم هو ذلك المكلّف القادر على أن يستشفّ الأبيض من الأسود .. وقد استشفه بأن الأطول نهاراً والأشدّ حرّاً منذ 33عاما  .. يكون هو ذاته الأعظم أجراً والأكرم كرماً برمضان كريم منذ 33 عاما.

Email