الحرب بين ماعش وداعش

ت + ت - الحجم الطبيعي

بعد الغزو الأنغلو-أميركي للعراق، وما نتج عنه من احتلال عسكري مباشر، أصبح العراق مقر إقامة لنظام الملالي الحاكم في طهران، وبدلاً من أن يقدم النظام الإيراني ما يتمكن من تقديمه في مجال الخدمات والخبرات العلمية والزراعية والصناعية والإدارية المتوفرة لديه للنظام الجديد في بغداد، أنشأ في العراق عدداً من الأحزاب السياسية والعقائدية، تتبع ما يمليه عليها نظام طهران بشكل مباشر أو غير مباشر.

ثم زوّد النظام الإيراني أتباعه في العراق بالمال والسلاح والخبرات، من أجل إحداث الفوضى والفتن والاضطرابات، المحلية والإقليمية. توطد على أرض الرافدين، الهدف المرحلي، شبه العلني والرسمي، لنظام طهران، مجموعة من الأحزاب العقائدية السياسية، مثل حزب الدعوة وحزب المجلس الأعلى وكتائب المهدي المنتظر وحزب الله وعصائب أهل الحق وحزب بقية الله وخلايا الخراساني.

لكل من هذه الأحزاب ميلشيات تشكل كيانات متفاوتة في التعداد والإمكانات والقدرات. هذه لا تكلّ أو تملّ من نشر الفوضى وعدم الاستقرار في المنطقة، ما استطاعت إلى ذلك سبيلاً. ميلشيات إيران في العراق والشام، أو ما قد يسمى اختصاراً بـ «ماعش»، تحاول خلق بؤرة عقائدية في بلاد الرافدين (في كربلاء والنجف)، توازي أو تعادل في التأثير البؤرة الأساس في بلاد الحجاز أو الجزيرة العربية (مكة والمدينة).

الخطوة التالية بعد الانتصار المأمول في العراق، هو نقل المعركة إلى عمق ديار المسلمين في الجزيرة العربية وما حولها. حسب التقديرات والتوقعات والحدس، قد لا ينجو من هذه الحرب الشرسة الطويلة أحد يعيش في المكان.

أتباع ماعش يوجدون بشكل رئيس في العراق، ولهم ذيول في سوريا ولبنان والجزيرة العربية. ليس من قبيل التشريع لتنظيم داعش أو الدفاع عنه، فلقد نشأت فكرة داعش، أو الدولة الإسلامية في العراق والشام، كرد فعلي طبيعي أو حتى مصطنع، لوقف تقدم ماعش وأتباعها في المنطقة. أو قد يكون لزيادة شراسة وإطالة أمد الحرب، ليكون لها مفعول أكثر على عموم المنطقة وأهلها.

في النهاية، فالخاسر الأكبر والأوحد هي الشعوب والأوطان العربية، المكتوية بالفكريْن الماعشي والداعشي، على حد سواء. لداعش، كما لماعش، أتباع وأنصار وجنود، قد تُرى أو لا تُرى، يُسمع عنها أو لا يُسمع.

لكن التأثير المدمِّر في المنطقة وأهلها واضح وعلى مدار الساعة. سوء طالع ونحس وعدم استقرار مستمر يؤدي بالمنطقة وأهلها إلى الوقوع في براثن الفقر والجوع والقهر والفوضى والتخلف والدمار شبه الكامل.

الملف النووي الإيراني حاضر، وبكثافة، في مسلسل الحرب الطويلة بين ماعش وداعش. فإذا ما كان هنالك من تقدم لماعش، فإن الأخبار عن المباحثات حول الملف النووي تكون سارّةً للغرب.

عكس ذلك، فإذا ما حصل تقدم لداعش، فإن هنالك تعثر في المفاوضات النووية، يُنتظر من الطرف الإيراني القيام بالواجب! حتى يتجنب خطر تقدم داعش المرعب نحو كربلاء والنجف وسامراء والكاظمية.

المدن العراقية هذه لها أولوية مميَّزة، واعتبار خاص في العقلية العقائدية للنظام الملالي في طهران، ومن يدور في فلكه من إعلاميين. تجذب الحرب بين ماعش وداعش، الكتل البشرية والاجتماعية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، والعالمين العربي والإسلامي، بل والعالم أجمع. الأخبار السيئة والنحس تقضّ مضاجع الأطفال والشيوخ والنساء. الحرب والفتنة العقائدية أريد لها، كما يبدو، أن تمسح الوجود الحضاري والتاريخي والإنساني لأهل المنطقة المتوطد منذ مئات السنين.

الذي لا يعرف تأثير العمامة والمعممين في المنطقة والتاريخ والعالم، عليه أن يستمع لخطابات أتباع طهران في المدن العراقية، خاصةً الجنوبية منها، أي جنوبي العاصمة بغداد. وإذا ما كان لديه متسع من الوقت، عليه أن يعرّج على جنوبي لبنان وشمالي اليمن، وبعض المناطق العربية الأخرى المرشحة لأخذ دورها في الحرب بين ماعش وداعش.

 

Email