الإبداع بين الحرية وتكنولوجيا الاتصال

ت + ت - الحجم الطبيعي

من أين تبدأ حرية الإنسان العربي؟ سؤال يثير الأسى حينما ننظر إلى الواقع العربي، فحرية الإنسان العربي حرية منقوصة على جميع المستويات الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

تبدأ حرية الإنسان العربي عند امتلاكه شروط الاختيار، وحقه في أن يقول ويكتب ويعمل ما يريد. نظرياً هذه حرية مطلقة، ولكنها تظل مشروطة. لأن حدود الحرية تلتزم بحدود قوانين المجتمع وقيمه وتقاليده، وفي إطارها يكون من حق المرء أن يمارس حرية الفكر، حرية العقيدة، حرية التعبير عن الرأي، حرية الكتابة، حرية العمل، حرية التنقل... إلخ.. ولكن ما هي المعيقات التي تحول دون ممارسة الإنسان العربي لحريته؟

أظن أن الكثير من الضغوط التربوية والاجتماعية والسياسية تعمل ضمن منظومة واحدة تُكرِّس الإحساس بانعدام الحرية في مجتمعاتنا. فنحن نُربّي أطفالنا في ظل ثقافة الخوف داخل المنزل، حيث سلطة الأب والأم سلطة قامعة. وفي المدرسة يقف المدرس ومدير المدرسة رموزاً للسلطة المطلقة على التلميذ. وخارج المنزل والمدرسة يقف الشرطي والأجهزة الأمنية رموزاً للقهر والقمع كذلك. من هنا فنحن أمام منظومة متكاملة تسعى إلى تحديد دور الإنسان في ممارسة خياراته، ومن ثم حريته مما يقود إلى الإبداع.

ولا شك أن الحرية هي المناخ الملائم للإبداع الذي ينمو في ظروف تحقق للإنسان الثقة بالنفس والكرامة والمسؤولية وعدم الخوف من القيود والرقباء. والتكنولوجيا هي أداة بها يستطيع تنفيذ إبداعاته ونشرها.

ويتساءل الكثيرون لماذا يبدع آلاف الشباب من العرب علماء وفنانين ومفكرين وأكاديميين وباحثين حينما يهاجرون إلى الغرب؟ ولا شك أن جزءاً من الجواب يتخطى حدود الإمكانيات المادية والتكنولوجية المتاحة، ليصبح أمراً مرتبطاً بمناخ الحرية والديمقراطية المتاحة للباحث وللعالِم والفنان والمبدع، حيث في الغرب، لا توجد قيود عليهم ولا شروط سوى الإبداع والإنجاز.

في مدارسنا نجد أطفالنا يتعلمون كيف يحفظون، وليس هناك مجال للحوار، ولا سبيل للفكر الناقد. وهذا يعني أن لا حرية لديهم سوى اجترار النصوص. أما في الغرب يتعلم الأطفال كيف يفكرون، وكيف يبدعون، ومن ثم لديهم الحرية التي توفر مناخ الإبداع وهذا ما نفتقده.

ويبدو لأول وهلة أن تقنيات الاتصال سوف تتيح حرية لا مثيل لها في استقبال المعلومات وتداولها كوسيلة جماهيرية ـ والإنترنت كوسيلة للنخبة في الوطن العربي ـ مثال واضح على ذلك. ولكن الواقع في عالم الإنترنت غير ذلك، إذ يمكن حجب مواقع سياسية أو فنية غيرها.

ليست العلاقة بين الإبداع وتكنولوجيا الاتصال علاقة صراع ولا علاقة تنافر، إن المستقبل يشير إلى أن المبدعين من الأجيال التي ترّبت في أحضان الحواسيب والإنترنت ستفيد من إمكانيات تكنولوجيا الاتصال التفاعلية. ويمكن للإبداع الذي تعودنا عليه باعتباره إنجازا بشريا يعتمد على جهد الانسان وخياله ومهارته الشخصية أن يوظف تقنيات الاتصال وتطبيقاتها لخدمته، ما دام يوجد لدى الإنسان الحس الإبداعي والموهبة الخلاقة والخيال.

والصلة بين تكنولوجيا الاتصال والإبداع قائمة وتشكل تحدياً، إذ إن علاقة جديدة لتكنولوجيا الاتصال بالإبداع تقدم آفاقا جديدة تخلق إحساساً جديداً وتجربة جديدة لإبداع جديد مختلفا عن الطريقة التقليدية، وتوفر تكنولوجيا المعلومات فرصاً لاختبار الإبداع كما لم يختبره الإنسان من قبل، من خلال الواقع الافتراضي، والتفاعل مع الآخرين بتجاوز حدود الزمان والمكان، وذلك مرهون بظروف الحريات المتاحة للإنسان.

Email