الحوار في المجتمعات المتناحرة

ت + ت - الحجم الطبيعي

ما يجري اليوم في وطننا العربي من تناحر صنعته وتقوده قوى ظلامية لا تعرف معنى الاختلاف والتنوع والحوار، وتقوم بتكفير من يخالفها، يستدعي منا تكريس مبدأ الحوار في حياتنا اليومية.

إن فكرة تقبل الحوار والمبادرة فيه مرتبطة بمسألة التربية ودرجة الحرية والتسامح في مجتمع ديمقراطي يوفّر العيش المشترك. والالتزام بمبادئ العدل واحترام حقوق الغير هما أساس قبول الحوار مع الآخر وقبول من يختلف عنا في الفكر أو العقيدة أو العرق أو الطائفة.

وبتحقيق مبدأ العدالة يتم التسليم بحرية الفكر والمعتقد والتسليم بحق الاختلاف بين البشر، واحترام خصوصية كل فرد فيه، وهذا يُسهّل الحياة المشتركة بين مختلف الطوائف والأعراق في المجتمع. ولن يكون الحوار ناجحاً مع وجود الاختلاف والخلاف بين أطياف المجتمع إلا إذا كان الحوار متكافئاً الذي يبتدئ بالتسليم باحترام الحق في الاختلاف.

وقد يظن البعض أن الحوار بين المثقفين أسهل من الحوار بين العامّة، إذ إن ثقافتهم توفر لهم الآلية والذخيرة الفكرية والمعرفية القادرة على التفاعل والتحاور مع الآخر، ولكن هذا الأمر ليس واقعياً لأن المثقف هو ابن بيئته، ففي مجتمعات يتم تربية أبنائها على التعصّب وعدم تقبل الآخر وعدم الاستماع بفاعلية للأصوات الأخرى، يصبح الحوار مع الآخر، أو القبول به مستنداً إلى جملة تصوّرات مسبقة ويستند أحياناً إلى مرجعيات ونصوص يتم تفسيرها بشكل انتقائي، وبرؤية عاجزة عن فهم النص أحياناً أخرى من خلالها يحكم على الأشياء مما يقيّد قدرته على تقبل الآخر.

بلا شك إن الديمقراطية هي التي توفر للحوار البناء البيئة المناسبة التي تقود إلى تفكيك مجموعة القيود التي تحول دون التفاعل بين مختلف فئات المجتمع، والتي تُحطّم أشكال التعصب والأنماط الفكرية المقولبة والصور الذهنية المتشدّدة التي تحول دون التفاعل وإتاحة فرصة للحوار وإبداء الرأي من دون خوف، والتعبير عن المواقف من دون رهبة من السلطة السياسية أو الدينية أو الفكرية أو الاجتماعية، سواء أكانت سلطة مسؤول أم شرطي أم مدرّس أم مفكر أم مرجعية دينية أم أخ كبير.

من هنا فإن الديمقراطية تفسح المجال لإنجاز أنماط تربوية تصنع إنساناً واعياً يعتمد مبدأ الحوار والتفكير غير المؤطر أو المؤدلج، ما يخلق إنساناً متفاعلاً في الحياة السياسية والثقافية الاجتماعية.

ونرى أن جزءاً من أزمتنا الراهنة يتمثل في محدودية الحريات الممنوحة للإنسان العربي، وضآلة المساحة المتوفّرة له لممارسة النقد والحرية الفكرية والحق في الاختلاف على المستويات كافة.

ونجد أن العملية التربوية التي تبدأ في البيت، مروراً بالمدرسة والمسجد، وانتهاءً بالجامعة والمؤسسات الإعلامية تشكّل عناصر البناء المعرفي والسلوكي للفرد، وتمثّل حواضن وأدوات تنشئته الاجتماعية والفكرية.

والدور المفترض للمؤسسات التعليمية والأكاديمية هو خلق مناخ حر للفكر والبحث والحوار. وتكمن نقطة البداية في وجود رواد يمارسون النقد والنقد الذاتي بموضوعية، مما يجعل فكرة قبول الرأي الآخر منطقية وواقعية.

نحن إذاً بحاجة ماسة إلى تربية جديدة لأبنائنا تبدأ بالأسرة والمدرسة كي نبني إنساناً عربياً جديداً لمجتمع يسوده الوئام والتناغم ويعلم أطفالنا الحوار وتقبل الآخر.

Email