هل نجحت قمة كامب ديفيد؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

اختتمت قمة كامب ديفيد وكثرت التعليقات والتحليلات حول نتائجها. وركز كثيرون على أبعاد الاتفاق النووي بين القوى العظمى وإيران على العلاقات الخليجية الأميركية، وهي قضية مهمة، لا سيما وأن الاتفاق في مراحل الطبخ الأخيرة، قبل نهاية يونيو المقبل.

لكن القضية التي يبدو أنها لم تنل الاهتمام الكافي رغم أهمية محتواها هو اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين دول مجلس التعاون والولايات المتحدة.

اتفاق الشراكة هي صيغ من الإطار العام للعلاقات يحدّد مسار العلاقات والالتزامات التي تنشأ عنها. تحل اتفاقيات الشراكة التي تعقد لفترة غير محددة محلّ اتفاقيات التعاون، ويعتبر مفهوم الشراكة مفهوماً حديثاً لم يستخدم في مجال العلاقات الدولية إلا في نهاية الثمانينات. وهناك فرق بين الشراكة والتحالف، فالأول يعنى بتعزيز العلاقات لتتجاوز مرحلة التعاون إلى الشراكة، بينما التحالف يعني التزامات وعليها مترتّبات متعددة.

‪لذلك جاء البيان بعبارة شراكة استراتيجية جديدة لبناء علاقات أوثق في جميع المجالات بما في ذلك الدفاع والتعاون الأمني ووضع نهج جماعي للقضايا الإقليمية من أجل النهوض بمصالحهم المشتركة في الاستقرار والازدهار.

وهذه الجملة بالنهج الجماعي للقضايا الإقليمية مهمة في النظر إلى واقع ومستقبل المنطقة. فليس سراً أن خلافات حصلت بين دول الخليج والولايات المتحدة في قضايا إقليمية مثل التخاذل الأميركي في الملف السوري.

والفشل الأميركي في الملف العراقي، ما جعل العراق امتداداً للنفوذ الإيراني، وكذلك في طريقة تعامل واشنطن مع التغيير في نظام الحكم في مصر ومعارضتها للتغيير الذي في حصل 30 يونيو. كل هذه الأحداث الإقليمية على ارتباط وثيق بدول الخليج، وحينما يتّخذ الحليف الاستراتيجي لهذه الدول الموقف المعارض لهذه السياسات فهنا كان من الضروري لقمة مصارحة تحدد مسار لشراكة استراتيجية جديدة‬.

ورغم أن ملف الاتفاق النووي بين إيران والقوى العظمى كان مطروحاً في النقاش، إلا أن الخليجيين كانوا واضحين بأن القضية ليست فقط في السلاح النووي الإيراني، بل أيضا في السياسات الإيرانية التي تعتمد على التدخل في الشؤون الداخلية ودعم الميليشيات وحروب الوكالة. وإن إغلاق الملف الاتفاق لا يعني أن إيران أصبحت ملاكاً وديعاً، بل هي تمارس السياسات التوسّعية، وتورطها في حرب اليمن دليل واضح على حجم الطموح السياسي الإقليمي الإيراني.

وهنا في البيان إشارة واضحة إلى أن سياسة الولايات المتحدة هي استخدام كل عناصر القوة لحماية دول مجلس التعاون الخليجي من العدوان الخارجي ودعم الاستقلال السياسي ووحدة أراضيه. وهذا نص واضح، بل هناك استشهاد بما حصل في حرب الخليج وأنه (أمر لا لبس فيه). وهذا يعطي إشارة لمدى اهتمام واشنطن بحماية استقرار دول الخليج. بل هنا تأكيدات بالتزام الأميركيين بإطلاع الخليجيين على أي تطورات في مفاوضات الملف النووي الإيراني.

يحلو لبعض المحلّلين أن يضعوا سيناريوهات مختلفة بعيدة عن الواقع، عن فشل في التزام أميركي بحماية دول الخليج. القضية ليست في صنع الأحلاف، بل في وضوح رؤية مشتركة لمعالجة مشاكل المنطقة بواقعية. وقد أوضح وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن دول الخليج لم تقدم طلبات محددة خلال القمة، وأن القمة في الأساس هي للتشاور حول مستقبل العلاقات الخليجية الأميركية.

وخلال وجودنا في واشنطن لمتابعة فعاليات القمة كان الحديث بين الإعلاميين المتابعين للحدث يدور بشكل إيجابي عن القمة، خاصة أنه سبقها اجتماع سعودي أميركي عالي المستوى بين الرئيس الأميركي باراك أوباما وولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وهما اللذان كانا في زيارة عمل الى واشنطن، بالإضافة لحضور القمة نيابة عن خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان. فقد كانت المؤشرات التي خرجت بعد هذا الاجتماع تعطي دلائل بأن التفاهم تم على كثير من الملفات، مما سهل من اجتماع كامب ديفيد وأعطى زخماً ونجاحاً أكثر للاجتماع.

وربما من النتائج غير المباشرة لهذه القمة غير المسبوقة ويبدو أنها ستتحول الى عرف سنوي، حيث تقرر عقد لقاء آخر مشابه في الخليج العام المقبل، الإشارة الواضحة إلى أن الخليجيين أصبحوا كمجموعة يتكلمون بصوت ورأي واحد، وهذا الذي يقوي موقفهم في المحافل الدولية وفي المباحثات مع القوى العظمى.

ففي عالم السياسة يحترم الأقوياء وبطبيعة الحال حينما تكون دول الخليج كتلة سياسية واقتصادية واحدة فصوتها في الاجتماعات وموقفها في المفاوضات يكون أقوى وتستفيد جميع شعوب المنطقة من ذلك. ويعود لعاصفة الحزم التي قادتها السعودية صنع موقف خليجي راسخ وتعزيز البنية السياسية لكتلة مجلس التعاون الخليجي. وليس سراً أن القمة الخليجية التشاورية التي عقدت في الرياض قبل أيام قمة كامب ديفيد ساهمت في ظهور الخليجيين بموقف سياسي مشرف في العاصمة الأميركية.

قمة كامب ديفيد وضعت أسساً لمرحلة سياسية جديدة في المنطقة.

وهي فرصة للخليجيين أن يترجموا الى واقع أقوى بلغة المصالح وقوة التحالف الخليجي. فمن المهم للخليجيين علاقات قوية مع واشنطن تخدم مصالح الطرفين وتساهم في حل مشاكل المنطقة. فقد كشفت الحقائق أن أكثر من يلعن الأميركيين في الساحات العامة هم الذين يتشاركون معهم في الغرف المغلقة. ولذلك فإن السياسة العقلانية تتطلب بناء المصالح بوضوح وربطها مع القوى الدولية وتوظيفها من أجل مصلحة الشعوب.

Email