ماذا ننتظر من «كامب ديفيد»؟

ت + ت - الحجم الطبيعي

لم يعد خافياً وسط عديد من التطورات المثيرة الجارية في المنطقة أن واشنطن تتبنى نهجاً جديداً وسياسات مختلفة، ليس تجاه إيران فحسب، ولكن نحو منطقة الشرق الأوسط برمتها، وأغلب الظن أن القمة الخليجية – الأميركية في واشنطن اليوم وكامب ديفيد غداً ستكونان منصة انطلاق صريحة وواضحة للاستراتيجية الأميركية الجديدة في المنطقة.

ومن حيث المبدأ، تعكس سياسات واشنطن منذ أشهر عدة توجهاً مختلفاً إزاء طهران، ربما بمحاولات جديدة لاحتوائها، وربما بتغيير مسارها السياسي بما يتفق والاستراتيجية الأميركية الجديدة في المنطقة التي لم تتضح كل معالمها بعد..

وهو الأمر الذي دفع عديداً من المحلّلين والمراقبين إلى التأكيد أن واشنطن أطلقت بالفعل يد إيران لتؤدي دوراً في مناطق الصراعات الملتهبة بالمنطقة، من خلال المسألة المذهبية، لتسهيل المطلوب منها أميركياً في المرحلة المقبلة. فإذا ما كان الحديث في ضوء ذلك عن رغبة أمريكية في نشر منظومة صواريخ دفاعية بدول الخليج لمواجهة «المخاطر الإيرانية»، كما رددت وسائل إعلام عالمية في الأيام الماضية، فنحن بذلك أقرب ما نكون إلى متابعة مشاهد من الشعوذة السياسية التي تبدو عند حد معين مستعصية على الفهم.

فالإدارة الأميركية تلعب بذلك على أكثر من ملعب، ومع أكثر من طرف، وتعزف أيضاً على أكثر من وتر، بما يحقق مصالحها الاستراتيجية البعيدة المدى، وهي في سبيلها لتحقيق ذلك تلعب على المخاوف الأمنية والتناقضات القائمة في المنطقة، وكذلك حالة عدم الثقة السائدة الآن بين دول عربية – عربية وأخرى إسلامية – إسلامية، على رأسها بالتأكيد السعودية وإيران.

ومن الواضح أن واشنطن لا تبحث عن حالة وفاق أومصالحة لإزالة تلك التناقضات أو الحد من تأثيراتها السلبية لمصلحة استقرار المنطقة، ولكنها ستحاول الاستفادة من تلك الحالة القائمة والثقة المفقودة لتعظيم مكاسبها وتحقيق أغراضها، ويعني ذلك أيضاً أن الهاجس الأمني سيكون الأكثر سيطرة على مداولات قمة كامب ديفيد.

ومن المراقبين من يشير في هذا الصدد إلى عملية فك الارتباط الأمني بين أميركا والمنطقة العربية، بالشكل الذي ترسخ في العقود الأخيرة، وتحديداً منذ مطلع الثمانينيات مع اندلاع الحرب العراقية – الإيرانية، وتفاقم الخلافات بين واشنطن وطهران الذي نص على أن أميركا تعتبر أي محاولة من أي جهة خارجية للسيطرة على منطقة الخليج اعتداء على المصالح الحيوية للولايات المتحدة ذاتها. وبمقتضاه، سيتم صد مثل هذا الاعتداء بأي وسيلة ضرورية، بما في ذلك القوة العسكرية.

العمل بات قائماً على تشجيع نظام أمني عربي يقوم على تنسيق وتعاون مع واشنطن لتولي إنجاز المهام الضرورية، ويسهم في صناعة حالة من الاستقرار وتوازن القوى، ويسمح لأميركا بمرونة أكثر في علاقاتها الإقليمية، فلا تضطر إلى الوقوف مع طرف ضد آخر، ولا إلى حل المشكلات الأمنية في المنطقة بالتدخل المباشر.

وقد كان ذلك واضحاً بما لا يدع مجالاً للشك في حالة مواجهة تنظيم «داعش»، حيث دفعت واشنطن بإسناد جوي ولوجستي وتدريبي، بينما تركت للقوات العراقية والمتحالفين معها، سواء من قوات الحشد الشعبي أو الحرس الثوري الإيراني أو ميليشيات حزب الله خوض المعارك البرية، بما يجنب الأميركيين أية خسائر بشرية. وعن المنتظر من كامب ديفيد، تشير التوجهات إلى أن صاحب الدعوة في الغالب هو من يملك تفاصيل أجندة المناقشات وأهدافها النهائية وآليات تنفيذها كذلك..

وإن كانت مؤشراتها تؤكد التوجه نحو منظومة أمنية جديدة بالشرق الأوسط عموماً، ومنطقة الخليج على وجه الخصوص تستفيد واشنطن خلالها من مظاهر التوترات الأمنية ومشاهد عدم الثقة القائمة بين دول عدة، حتى لو كان عبر إضعاف كل الأطراف المعنية باستنزاف مواردها وقدراتها الاقتصادية والمالية وإطالة أمد الصراعات، بغض النظر عن خسائر أطرافها المعنية، مادام ذلك سيؤدي في النهاية إلى تحقيق المصالح الأميركية. وأغلب الظن أن هذه المؤشرات ترشح قمة كامب ديفيد لمناقشات ساخنة ومواقف حازمة من قادة الخليج، حفاظاً على المصالح العربية العليا، وأيضاً لفك طلاسم السياسة الأميركية وعقيدة واشنطن الجديدة تجاه المنطقة.

 

Email