المعايير الاجتماعية تصب في الأمن الأميركي

ت + ت - الحجم الطبيعي

الغباء والسمنة يعدان حالياً من الأمور ذات علاقة بالأمن الوطني الأميركي، وهذه لمحة فقط عن أكثر الأمور التي تهدد أميركا من الداخل.

المنظمة المسماة «ميشن» التي تتألف من أكثر من 500 جنرال متقاعد وقائد عسكري، والتي تنشر تقارير بشكل دوري، ومنهم الذي نشر، أخيراً، ويتناول بالتفصيل كيف أن عدداً لا يستهان به من الفتية الأميركيين في هذه الأيام هم إما بدناء جداً ولا يصلحون للقتال، أو يحرزون علامات متدنية في الرياضيات والأدب وبرامج حل المشكلات الموجودة ضمن برنامج التجنيد العسكري الأساسي.

وبالنظر إلى الطريقة الجديدة التي تسير بها الحروب الحديثة، فإن تعيينات المستقبل قد تضطر الطلاب إلى البقاء جالسين على مكاتبهم، ويشغلون عصا التحكم لتوجيه الصاروخ من الطائرات الموجهة عن بعد، وطورت كل من «لوكهيد مارتن تيليداين سينتفك وإيماججنغ» نظام إطلاق صواريخ لوزارة الدفاع الأميركية المسماة «إكساكتو»، بشكل يسمح للهواة بإصابة الأهداف من مدى بعيد جداً، بشكل يجعل من اعتماد القناصين أمراً أكثر عدلاً.

وليست هذه أداة تجعل من الخبراء قناصة أفضل، «إكساكتو» يمكن أن يمكن الجنود من التركيز على تمشيط صحراء «هوستس دنغ دونغز»، بينما يرفعون من مستوى بعض «القناصة الأميركيين»، ويبدو الأمر كما لو أن الجيش الأميركي أنجز خطوة في مجال الحروب المستقبلية التي قد تكون محبطة، مستخدمة التقنيات المبتكرة لتعويض جيل المجندين البدناء.

وفي هذه الأثناء، هناك الكثير من المعلقين الذين غابت عنهم نقطة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعا، أخيراً، إلى إعادة العمل بالحد الأدنى الإلزامي من معايير الملاءمة الخاصة بقبول أطفال المدارس عام 2016.

وأشارت صحيفة «ديلي تلغراف» البريطانية إلى «إعادة إحياء برامج التقييم البدني الخاصة بحقبة الاتحاد السوفييتي»، وعلى ما يبدو فإن معايير اللياقة البدنية تروّج للشيوعية، وقد نتمكن من إعلان أن جميع المعايير «الشيوعية» غير ملائمة ونتخلص منها كلية.

وأطالب ببرنامج مماثل في كندا، وهو «المشاركة»، ويهدف هذا البرنامج إلى تعزيز اللياقة البدنية، وطرائق الحياة الصحية، وهو البرنامج الذي علمني أهمية تحديد الأهداف والمعايير التي لا هوادة فيها، والعلاقة بين الجهد والتعويض، وقررت، أخيراً، أن هذه المبادئ هي التي تمثل أسس التمييز النخبوي في المجتمع الحر.

التفكير التقليدي في أميركا هذه الأيام يفرض أنه في حال لم يسارع الناس في تحقيق معايير عالية، فإنها ستنقلب على نفسها، وبالنسبة إلى الأشخاص مثل أولئك المنتدبين في «مهمة»، فإن الذين يتحدّثون من أجل رفع مستوى المعايير غالباً ما يتهمون بأنهم غير واقعيين، وتخيل في حال لو أن الجيل الذي واكب فترة الكساد العظيم والحرب العالمية الثانية كانت لديه هذه العقلية (أو الأسوأ من ذلك هو في حال لم يكن هناك عدو).

الأعذار متفشية في المجتمعات الحديثة، وأي عذر سيقدم سيكون: الاقتصاد السيئ أو افتقار التدخل الحكومي أو (كثرة التدخل)، والاستعانة بمصادر خارجية لإيجاد فرص العمل أو كساد الأجور خلال العولمة، ولا نغفل عن أن بعض هذه العوامل ليس شرعياً، ولا يجب القبول بأي عذر مقبول للرضا عن النفس.

الديمقراطية تعد سلاحاً فعالاً، فالمواطنة الممنوعة ليست أكثر افتقاراً إلى التأثير الخارجي والحملات الترويجية، ولكن أيضاً أقل عرضة لحشد ما يهمها من مصالح على أساس يومي.

ومن الممكن القول إن هناك الكثير من الخيارات هذه الأيام، والكثير من الحرية، وهي ليست مسؤولية فردية كافية للخيارات الفردية، فـ«الحلم الأميركي» انتقل من شيء مكتسب إلى حق مفترض، وأي عواقب للخيارات السلبية يتم تجسيدها، وأي شيء آخر أو أي شخص آخر هو كبش فداء فقط، وعندما تفشل تلك المساءلة في تعويض النتيجة النهائية للديمقراطية، فإن تجارب الناس تصبح عبثية.

خذ أعمال الشغب الأخيرة في بالتيمور، وهذه ليست نشاطات مفضلة لدى الأشخاص العقلانيين، بل تكتيكات سياسية للمحبطين وقليلي الصبر واليائسين، وتبدو الثورات بالنسبة إلى ذوي المعنويات الهابطة مواد تدميرية لمجتمع معين، وهي أكثر من مجرد وسيلة لإنهائها، ولا يوجد هناك مجال للجدل بشأن ما إذا كانت الثورات تمهد الطريق للشعور بذلك، هي بلا شك تفعل ذلك.

وفي الولايات المتحدة، ودول حرة أخرى، فإن العلاقة بين الخيار والمساءلة واضحة، ويجب أن يعاد تعزيزها في كل من الخطابات والممارسات السياسية، فحرية الخيار لا تعني حرية المساءلة، وحرية هذه الأخيرة تقود إلى نوع من الديمقراطية التي أصبحت مغلوطة وتزيد من انتشار التهديد في أميركا، وهذا الطريق يجب أن يوقف.

Email