السعودية: الاستقرار والجيل الجديد

ت + ت - الحجم الطبيعي

يمكن القول إن السعودية انتقلت إلى مرحلة جديدة تؤكد فيها استقرار مؤسسة الحكم وثباتها ووضوح الرؤية للمستقبل. ف

الأوامر الملكية التي صدرت باختيار الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز ولياً للعهد، وتعيينه نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيرا للداخلية رئيسا لمجلس الشؤون الامنية والسياسية، واختيار الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز ولياً لولي العهد وتعيينه وزيراً للدفاع نائباً لرئيس مجلس الوزراء ورئيساً لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، بعثت رسالة واضحة لمسار ومستقبل الحكم في السعودية، وأكسبت الحكم الشرعية السياسية من خلال التصويب بأغلبية هيئة البيعة، وكذلك البيعة التي استقبلها ولي العهد وولي ولي العهد في قصر الحكم في الرياض.

وربما يحتار المراقبون في الخارج في الكيفية التي يتم فيها انتقال السلطة في المملكة بسلاسة وهدوء رغم ضخامة البلد وأهميته وتأثيره الإقليمي والعالمي، خاصة أن كثيراً من الدول في المنطقة تعصف بها حروب دامية في التنافس على اقتناص كرسي الحكم.

بينما في السعودية وبعد غياب الملك الراحل عبدالله رحمه الله، انتقل الحكم بسلاسة الى الملك سلمان الذي اتخذ قراراً استراتيجياً يحسب له في التطور السياسي السعودي, بتعيين الأمير محمد بن نايف وليا لولي العهد. وبذلك استمر على نفس النهج الذي سنه مع اخوه الملك عبدالله في استحداث منصب ولي ولي العهد وفي فتح الباب للجيل الثالث من الأسرة الحاكمة ليتولى مسؤوليات ادارة الحكم.

السعودية التي كانت تنتقد خارجيا عند البعض بأن مؤسسة الحكم لديها متقدمة في السن والفارق السني بين القيادة والنسبة الكبيرة من الشعب, استطاعت أن تجدد في مؤسسة الحكم بكفاءات مميزة وتقلص متوسط عمر القيادة (يشمل الملك وولي العهد وولي ولي العهد) الذي كان قبل ثلاثة أشهر ٧٩ ليصبح الآن ٥٦ سنة، وهذه دلالة واضحة لفكرة التجديد وإعطاء الفرصة للقيادات الشابة أن تمارس دورها.

الملك سلمان شخصية قيادية وحاسمة، ويتخذ قرارات صعبة متى ما أدرك صلاحها، فهو الذي قاد عملية عاصفة الحزم التي أنقذت اليمن من الوقوع تحت مظلة الميليشيات الحوثية ودعمت الشرعية، وهو إذ يكمل مائة يوم، ينظّم مؤسسة الحكم ويجدد الدماء فيها ويفتح الآفاق للجيل الثالث في الأسرة ليمارس أدواره القيادية المنتظرة.

الحكم في السعودية مؤسسة عمرها حوالي ثلاثة قرون وامتداد لتاريخ طويل من الدولة الأولى والثانية والثالثة، وهناك أعراف وتقاليد راسخة داخل هذه المؤسسة، واستمراريتها يعود الى نجاحها في التواصل مع مختلف فئات الشعب وحرص حكامها على وضع مصلحة الدولة فوق كل اعتبار. ‪

‬هيئة البيعة نقلة نوعية لتطوير النظام من الأعراف والتقاليد الى أنظمة وقوانين، ولذلك جاء في الأوامر الملكية «..أنه بعد موافقة هيئة البيعة بالأغلبية..»، ولهذا كانت كلمة اختيار في الأمر الملكي، فيما جاء التعيين في المناصب سواء وزارة الداخلية أو الدفاع بصيغة الأمر الملكي.

يجهل كثيرون في الخارج أن ترتيبات الحكم وانتقال السلطة في السعودية ليست وليدة اجتهادات، بل هي مبنية على أنظمة وأعراف وتقاليد حمتها في كل مراحلها التاريخية، فهناك داخل الأسرة السعودية الحاكمة تقاليد راسخة من الاحترام والتعاضد والطاعة للملك في كل الأحوال. وهذا واحد من أسرار نجاح واستقرار الحكم في البيت السعودي.

إن اختيار الأمير محمد بن نايف ولياً للعهد هو نتاج طبيعي واستحقاق متفق عليه، فهو الذي عرف بأنه رجل عملي منضبط حقق نجاحات كبيرة في محاربة الارهاب، ليس فقط داخلياً، بل لفت الانتباه دولياً في رؤيته الناجحة لمواجهة الارهاب والتطرف. وجاء ترؤسه لمجلس الشؤون الأمنية والسياسية ثقة من القيادة بقدراته وشخصيته المتوازنة والحكيمة.

فيما يمثل الأمير محمد بن سلمان جيل الشباب وهو الذي يعتبر خريجاً من مدرسة والده سلمان بن عبدالعزيز، إذ إنه كان على تلاصق دائم معه، وكان مستشاره الخاص منذ أن كان أميراً للرياض وكذلك في وزارة الدفاع وهو الذي رافقه في رحلاته الخارجية واجتماعاته الداخلية والخارجية.

 وكان نجاحه في طريقة إدارة وتشكيل تحالف عسكري لعاصفة الحزم، وكذلك ترؤسه لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية مؤشرات واضحة لقدراته. ولهذا أشار نص الأمر الملكي بوضوح الى القدرات الكبيرة التي يتمتع بها الأمير محمد (واتضحت للجميع من خلال كافة الأعمال والمهام التي انيطت به وأداؤها على الوجه الأمثل).

الأوامر الملكية شملت إعفاء وزير الخارجية المحنّك الأمير سعود الفيصل الذي يعد عميد وزراء الخارجية في العالم، وذلك بناء على طلبه، وتعيينه وزير دولة وعضواً بمجلس الوزراء ومستشاراً ومبعوثاً خاصاً لخادم الحرمين الشريفين، ومشرفاً على الشؤون الخارجية، وتعيين السفير السعودي في واشنطن عادل الجبير وزيرا للخارجية وهو الذي حقق نجاحات مميزة في العاصمة الأمريكية آخرها ملف عاصفة الحزم.

القرارات في السعودية كبيرة ومهمة والتغييرات جوهرية لكن الاستقرار والثقة في القيادة ورؤيتها المستقبلية تجعل تجاوب الشعب ايجابياً وتفاؤلياً، وهذا ما ظهر في توافد الأمراء والمواطنين الى قصر الحكم في الرياض لتقديم البيعة، ما عكس حجم التفاعل العفوي لدى الناس مع هذه القرارات.

 

Email