البطل الجديد

ت + ت - الحجم الطبيعي

بطل جديد ظهر على الساحة وخطف الأضواء من الجميع في غضون سنوات قليلة. أصبح مهوى أفئدة الشباب والرفيق للكثير من المراهقين. هل عرفتموه ؟

إنه المدواخ، الذي دوخ الصغير قبل الكبير وأزاح السيجارة متربعاً على عرش الهلاك والدمار بكل جدارة واقتدار.

وقد عُرف المدواخ في الإمارات قبل فترة طويلة حيث كان أداة تدخين يستخدمها كبار السن أثناء المجالس، وقيل إنه انتقل إلى المجتمع الإماراتي من خلال حركة التجارة بين الإمارات والمجتمعات المجاورة مثل إيران والعراق، بينما يقول البعض أنه ابتكار محلي خالص اخترعه سكان الجبال.

عجيب أمر الإنسان فبالرغم من نعمة العقل والقدرة على الاختيار مازال يصر على اختيار الطريق الصعب لكي يشعر نفسه بالتحدي محيطاً نفسه بجميع الأوهام بأن الطريق سهل يسير. سألت مراهقاً ذات يوم : لماذا المدواخ؟ فأجاب بكل فخر: إنها اللذة والمتعة، هي الرجولة وإثبات الذات، بها أحافظ على تراث أجدادي، ومنها استمد ثقتي في نفسي !!

لنرجع سنوات إلى الخلف في عمر المراهق. كان أمنية لزوج مدخن يفخر بشيشته ولزوجة منهمكة في عالم الازياء والموضة. فكانت النتيجة جنيناً تجري في عروقه نسائم النيكوتين وعبق القطران ومن ثم رضيعاً اختلط حليب أمه بدخان والده ومنها طفلاً مدللاً ذا رصيد شحيح من حنان أمه ورعايتها. والنتيجة أصبح مراهقاً مدواخاً بامتياز !!

هناك تحديات كثيرة تساعد في انتقال المراهق من مرحلة تجربة المدواخ إلى مرحلة الاستمرار والإدمان. التحدي الأكبر هو التقبل الاجتماعي للظاهرة وربطها بموضوع التراث والأجداد. لنقل جزماً بذلك لكن هل مقياس التفاخر هو ذلك حتى لو كانت نتائجه كارثية ؟ إذن قبل أن نلوم المراهق يجب أن نلتفت إلى كبارنا وقدوتنا ونجعل منهم أداة فعالة في ذم الظاهرة في مجالسهم العامرة؟.

التحدي الثاني هو توفر أدوات المدواخ ومادة الدوخة في كل مكان. ينقصنا فقط توفر خدمة «توصيل المنازل» على شاكلة الوجبات السريعة (الظاهر أدوات دمار الصحة تتشارك في سهولة الوصول والحصول !!) هنا يأتي دور الجهات الاقتصادية المختلفة في تقنين منافذ البيع ووضع غرامات رادعة على غرار مخالفي العمل وقت الظهيرة أثناء الصيف. ثالث التحديات السعر الزهيد للمدواخ وأدواته.

في الدول الغربية استطاعت الضرائب العالية على السجائر من تقليل الاستخدام لكن هل رفع الأسعار هو الحل في بلادنا وخصوصاً أن النظرة أصبحت للشيء الغالي بأنه هو البرستيج ؟ في اعتقادي حل هذا التحدي يكون بزرع ثقافة الاشمئزاز والتقزز للمدواخ وربعه من الشيشة والسيجارة في عقل الفرد منذ مرحلة الطفولة وتشبيهها بالقمامة وتشويه سمعتها.

التحدي الرابع والمهم جداً هو تدخين فئة المعلمين. اسمحوا لي في ذلك لكن أثر سلوك المعلم جوهري في أفعال الطفل والمراهق. فالطفل يتعلم السلوك بالتقليد وليس بسماع كلمات عن مضار هذا ومنافع ذاك.

 أعلم أن المدرس يعاني من ضغوط كبيرة في البيئة المدرسية سواء في قلة احترام شخصه او الصعوبات المادية أو غيرها لكن هذا ليس مبرراً لتدخينه حيث إن نظرة واحدة من الطفل أو المراهق للمعلم وهو يدخن في باحة المدرسة أو مواقف السيارات كافية لتدمير كل ما يقوله الأطباء أو الإعلام أو المجتمع عن التدخين وتبعاته.

رحلة طويلة وتحديات شاقة لكن لا يسعني إلا أن أقول:

«اااخ منك يالمدواخ..

دوختنا بدوختك ..وخليت المخ مدخن..

لكن بيجيك يوم بدوخ.. وما بتحصل حد يدوخك...»

Email