الحسابات الخاطئة بين الرياض وطهران

ت + ت - الحجم الطبيعي

بدون شك، هناك حسابات أخطأت فيها إيران لتقديرت التدخل في اليمن. ويبدو أن طهران بنت حساباتها على أن دول الخليج معروف عنها أنها تقدم دائماً السياسة على المواجهة، والسلام على الحرب. ومن هذا المنطلق، توقعت أن سيطرة الحوثيين على اليمن ستوجد ردود فعل من تصريحات وشجب وبيانات استنكار.

ومن ثم، تمضي الأمور على طريقة الأمر الواقع الذي يتقبله الجميع. وربما منحها بعض النجاح الذي حققته في العراق وسوريا ولبنان، شعوراً بالعظمة الذاتية، التي تمتزج مع شعور دفين في العقل الجمعي بإحساس الامبراطورية، وتمدد النفوذ على مستوى الإقليم. وقد كان التردد العربي والغباء الأميركي في معالجة الملف العراقي، واحداً من الأسباب التي أدت إلى تمهيد الطريق لأن تكون بغداد تحتكم بأمر طهران.

كل هذه الأخطاء أعطت لإيران فرصة لفرض نفوذها في العراق، ودعمها للنظام الحاكم في دمشق، ومراهنتها على حزب الله في بيروت. وهي انتصارات جعلت مسؤولين في إيران يفاخرون بهذا التوسع، بل إن علي يونس نائب الرئيس الإيراني حسن روحاني ومستشاره للشؤون الدينية يقول (إن إيران أصبحت الآن إمبراطورية، كما كانت عبر التاريخ، وعاصمتها بغداد حالياً، وهي (أي بغداد)، مركز حضارتنا وثقافتنا، كما كانت في الماضي). وهذا تصريح خطير، لأنه من مسؤول قيادي، وليس من كاتب أو محلل سياسي.

وإذا كان يحق لإيران، مثل أي دولة، أن تكون لها مصالحها وأجندتها الخاصة. إلا أن السياسة الطائفية، والتي تخلط ما بين المذهب والسياسة، اجتهاد خاطئ وخطير. فالخلاف السياسي أمر مقبول ومتغير بتغير المصالح والمستجدات، لكن الخطورة، حينما يتم تعزيز التباعد المذهبي والاستقطاب الطائفي الذي يتعمق في نفوس الناس، ويتحول إلى عداء طويل لا يمكن للسياسة أن تعالجه. إيران دولة لها تاريخ، وهناك قواسم مشتركة في التاريخ والجغرافيا. ومن غير المنطقي تجاوزها، لكن السياسية تفرض الاحتكام إلى القانون الدولي في العلاقات واحترام السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية.

والعالم كان يراقب ما يجري في اليمن، وعينه الأخرى على محادثات لوزان في سويسرا، التي انتهت باتفاق إطاري لحل قضية السلاح النووي في إيران. ويبدو أن السعودية استبقت الأحداث ولم ترهن قرارها للتطورات في محادثات السلاح النووي. فهي اتخذت قرارها التاريخي، بعدما وصل الحوثيون إلى عدن، واستهدفوا مقر الرئاسة..

في تحد واضح وسافر لكل الاتفاقات والتعهدات. السعودية لها علاقة خاصة مع اليمن، وهي التي تحتضن مليوني يمني يعيشون في السعودية، ويرفدون الاقتصاد اليمني بحوالات مالية هائلة. والسعودية ودول الخليج الداعمين الأساسين لليمن منذ عقود.

والسعودية ودول التحالف، تؤكد أن عملية الحزم ليست ضد مذهب معين أو طائفة معينة، بل هو ضد الاعتداء الحاصل ضد الشرعية. واحتاج العرب إلى لحظة تاريخية، يستعيدون فيها ثقتهم في أنفسهم، وأنهم يستطيعون أن يحددوا مصيرهم بأنفسهم. كان من الضروري أن تكون هذه اللحظة، لأن السياسة استنفذت في كل أوجهها، فمن اتفاقية المبادرة الخليجية، إلى معاهد السلم والشراكة والمحاولات السياسية من دول الخليج، ومن الأمم المتحدة كلها، تم تجاهلها بنوع من الاستكبار والفوقية، استناداً إلى دعم خارجي مفضوح. هنا، كانت الأمور تحتاج إلى وقفة كبار، والحرب جزء من السياسة، ولو أنها آخر الحلول، ولكن لا بد مما ليس منه بد.السياسة لها أساليب..

ولكن التلون والرقص على رؤوس الأفاعي شيء مختلف. فكانت فضحية مدوية للرئيس المخلوع على صالح، الذي أرسل ابنه أحمد قبل يومين من بدء عملية عاصفة الحزم للتفاوض مع السعوديين حول مطالب كلها شخصية، تتمثل في رفع العقوبات الصادرة عليه من مجلس الأمن، وحرية السفر وتحريك الأموال. ومن أخطاء الخليجيين، أنهم وثقوا فيه، ومنح الحصانة ضمن المبادرة الخليجية. أي اختصار مشين للوطن هذا، الذي يجعل شخصاً ترأس عقوداً وانتهى به المطاف أن يدمر بلده وجيشه، والأسباب رغبات وتصفيات شخصية.

الطغاة يتشابهون وإن اختلفت الأساليب، والأمثلة كثيرة للأسف في عالمنا العربي. والضحية هو المواطن البسيط الذي يبحث عن قوت يومه ومستقبل أبنائه. عاصفة الحزم نقطة تغيير في العمل العربي المشترك، ونجاح سياسي غير مسبوق، نجحت فيه السعودية التي كونت تحالفاً قوياً بهدوء وسرية مطلقة. والآن تتعدد سيناريوهات الخروج من هذه الحرب. ولكن، هناك أهداف واضحة لهذه العملية، وهناك شروط حتى تتوقف، حددها الملك سلمان في كلمته لقمة شرم الشيخ، وهي (أن يعود مَنْ تمرد على الشرعية لصوت العقل، والكف عن الاستقواء بالقوى الخارجية والعبث بأمن الشعب اليمني العزيز، والتوقف عن الترويج للطائفية وزرع بذور الإرهاب). اليمن أمامه فرصة الآن،..

وكما يقال، في الأزمات تظهر الفرص. فمطالب أن ينتقل إلى دولة عصرية تستند إلى القانون واحترام الدستور وفرض هيبة الدولة. ومن جهة أخرى، مطلوب من الدول العربية والقوى الكبرى، أن تتبنى مشروع دعم اقتصادي لدعم اليمن ومساعدته في بناء دولة عصرية تنموياً واجتماعياً. كل حدث له نتائج ومترتبات. وعلى صانعي القرار والعقلاء، استخدام هذه النتائج بما يخدم مصالح شعوب المنطقة. والشعب اليمني يحتاج وقفة صادقة ثانية من الشعوب لدعم مشروع التنمية، بعد الوقفة الأولى التي سجلت لدول التحالف العربي في دعمها للشرعية واستقرار اليمن حاضراً ومستقبلاً.

 

Email