مصر بعد المنعطف

ت + ت - الحجم الطبيعي

مصر لم تكن تعيش أياما عادية الاسبوع الماضي. وربما منذ سقوط نظام مبارك لم تمر مصر بجو تفاؤلي مثل الذي عاشته خلال فترة مؤتمر شرم الشيخ الاقتصادي. في قاعة المؤتمر تلك التي اكتظت بآلاف من المسؤولين ورجال الاعمال من مختلف دول العالم. كانت الاخبار الجيدة تتوالى والارقام تتزايد عن منح والتزامات ومشاريع ضخمة.

واصبحت الوكالات تتسابق على خطف الاخبار والعقود أولا بأول. ويبدو أن الأهم من الارقام والعقود هو جو الثقة والرسالة السياسية في مؤشر على التزام دولي ودعم واضح لمصر وقيادتها السياسية في مشروعها الضخم لعمل نقلة نوعية في الاقتصاد المصري.

دول الخليج كانت السند القوي لمصر سواء في المؤتمر او قبلها وشهدت حضورا من معظم القيادات الخليجية وكانت هناك رسالة سياسية بالاضافة الى الدعم الاقتصادي فالأمير مقرن بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي ورئيس الوفد حينما طالب في كلمته بعدم ازدواجية المعايير والفهم الدقيق لما يجري من احداث.

اعطى اشارة واضحة أن بعض الدول لديها فهم خاطئ لما يجري في مصر وأن التعامل بالمعايير المزدوجة لن يخدم المنطقة واستقرارها. وقد ادرك الغرب ان انفلات الاوضاع في المنطقة لن يبقي نيرانها داخل المنطقة فحسب بل سوف يصل لهيبها الى كل مكان.

وهناك دليل واضح فحينما تقاعس الغرب عن دعمه للمعارضة المعتدلة في سوريا وتجاهلت ما يحدث فيها على اعتبار ان الضحية والجلاد منهم فبالتالي لم يكن هناك حماس للتدخل. لكن حينما انفلتت الاوضاع وظهرت الجماعات الارهابية داعش وغيرها ووصل الشرر الى العواصم الغربية بدأت بالتدخل وتنظيم تحالف دولي لمواجهة هذه التنظيمات الارهابية.

مصر دول مهمة ليس فقط للمنطقة بل دوليا وهي تواجه تحديات صعبة اقتصادية في الدرجة الأولى. ومثل نجاح المؤتمر صفعة لجماعة الاخوان المسلمين التي حاولت بكل السبل ان تفشل المؤتمر.

وحتى بعد نجاح المؤتمر حاولوا ان يشككوا في جدوى المشاريع وأن مصر معروضة للبيع في محاولة ساذجة لتشويه نتائج المؤتمر واللعب على عواطف الشعب المصري بعبارات عفا عنها الزمن. وكأن المستفيد من هذا الدعم والمشاريع شعب آخر وليس الشعب المصري. وهذا يدل على حجم التسيس المتجذر في الفكر الاخواني.

وقد وضح في المؤتمر حجم التفاعل الدولي مع مصر وكان الى جواري في قاعة المؤتمر صحفي غربي قال مندهشا ان المؤتمر اكبر من توقعاته وإنه يدشن لعملية تحول اقتصادي في مصر ممكن ان يقودها الى مرحلة جديدة في تطورها التنموي.

وربما اكثر مؤشر لقياس نجاح المؤتمر هو تفاعل القطاع الخاص الذي تنطلق اجندته دائما من الحسابات الاقتصادية البحتة. ولهذا فانها حينما تضخ شركات دولية مليارات الدولارات في مشاريع داخل مصر فهي تعي ان هناك استقرارا سياسيا مما يجعلها تستثمر بمبالغ طائلة وهي تعلم أنها تحتاج الى سنوات لتحقيق عائد مما يعنى انها تنظر استراتيجيا الى مصر كدولة مستقرة.

الدعم الخليجي لمصر الذي تجاوز ١٢,٥ مليار دولار تعهدت بها السعودية والامارات العربية المتحدة والكويت وسلطنة عمان. كان حديث المصريين والمعروف ان دول الخليج خاصة السعودية والامارات سبقا ان قدمتا دعما يتجاوز هذه الارقام بكثير.

وقد كان الدعم الخليجي خط دفاع اساسيا لعدم تدهور الاوضاع في مصر في لحظات صعبة مرت فيها. وهذا التدخل حمى الجنية المصري ووضعت هذه الدول ودائع بمليارات الدولارات في البنك المركزي المصري لدعم الاقتصاد.

ويتفق كثيرون ان مصر تحتاج الى فكر اداري جديد يتخلص من البيروقراطية وقوانين استثمارية مرنة وجاذبة للاستثمار. وهذا المؤتمر هو بداية فالعبرة بالتنفيذ. ولذلك كان قرار الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بعمل مجموعة عمل في وزارة الاستثمار لمتابعة تنفيذ المشاريع خطوة ممتازة. فالمهم هو القضاء على الفساد وكل العوائق الي تمنع من جذب الاستثمار الى مصر.

فمشروع مثل بناء القاهرة الجديدة التي ستنتقل اليها العاصمة من مقار رئاسة الجمهورية والوزارات والبرلمان من المشاريع التي ستغير من الخارطة السكانية لمصر وتحتاج الى قرارات سريعة وفكر جديد وتشريعات مرنة لضمان تنفيذه بكفاءة وسرعة عالية وهو المشروع الذي وصفه رئيس مجلس ادارة شركة كابيتيال بارتنزر المنفذة للمشروع محمد العبار بأنه مشروع ضخم بكل المعايير وجاء ليخلق شريانا جديدا لسكان العاصمة المصرية.

مشاريع بهذا الحجم بالاضافة الى المشاريع الضخمة مثل القناة الجديدة وبناء محافظات جديدة تفتح آلاف فرص العمل وتشجع الدورة الاقتصادية داخل البلاد ويرفع من مستوى الدخل ومستوى المعيشة. وهذا ما يهم المواطن في نهاية المطاف. فالسياسة وظيفتها بناء الاستقرار وتسهيل حياة الناس وفتح الفرص لهم.

 وليس استغلال الناس واللعب على عواطفهم بشعارات متلونة مرة دينية وأخرى وطنية. والشعب المصري ادرك أن هذا هو مربط الفرس ومن رأى الشباب والشابات المصريين المشاركين في تنظيم المؤتمر يدرك أن الجيل الجديد في مصر يفكر ببناء بلده ومستقبل شعبه.

مؤتمر شرم الشيخ نقطة فاصلة ليس فقط في المسار الاقتصادي لمصر بل حتى للمسار السياسي. فمصر تجاوزت حقبة رمادية في تاريخها وهي تجاوزت المنعطف الصعب وأمامها طريق طويل تحتاج ان تنطلق فيه بكامل سرعتها. والشعب المصري وضع خياراته وانحاز للمستقبل وهو سيجني حصاد هذا الفكر والتوجه تنمويا وسياسيا.

 

Email