زلة لسان كيري

ت + ت - الحجم الطبيعي

حبسني المرض في البيت، ويوم الجمعة الماضي جلست أمام التليفزيون من الرابعة ظهراً حتى منتصف الليل متابعاً مؤتمر شرم الشيخ، ربما كانت أطول فترة أقضيها أمامه، وبفضله عشت الموقف كما لو كنت هناك.

أعجبتني كلمة كريستين لاجارد العضو المنتدب لصندوق النقد التي ألقتها، بدأت كلامها بما تغنت به أم كلثوم: وما نيل المطالب بالتمني، ولكن تؤخذ الدنيا غِلابا، ووصفت الشعر الذي غنته أم كلثوم بأنه لا يقال إلا من خلال اللغة العربية الجميلة.

لفت نظري كلام صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، عندما تحدث عن مصر وكُتَّابها وقرائها وثقافتها، وطلب من الحاضرين أن يقرأوا بطولات جيشها العظيم، وعندما ذكَّرنا بما قاله المغفور له الشيخ زايد من أن الدم العربي لن يكون أغلى من النفط العربي.

وأنه من دون مصر لا حياة ولا وجود للعرب جميعاً، أيضاً ولي عهد المملكة العربية السعودية الأمير مقرن بن عبد العزيز، وأمير الكويت، وما قدماه لمصر، جاءت المفاجأة من سلطنة عُمان الحبيبة التي قدمت نصف مليار دولار لمصر.

لكل جانب مضيء حتى لو كان وجه القمر الجزء المعتم، وإن كانت الحياة تطالبنا بالجري وراء التفاؤل، لكني – ولسبب لا أدريه – أجدني باحثاً عن الوجه الآخر – ولا أقول المعتم – من القمر، فيكفينا كل هذا النور المشع علينا من الأشقاء العرب والمسلمين والأفارقة والآسيويين رفقاء الدرب والمسيرة، يكفينا أن ممثل الرئيس الصيني وصف دولته – وهي من هي – بأنها أكبر دولة نامية في العالم اليوم.

لكن الدراما التي استوقفتني كانت في موقف جون كيري، وزير خارجية أميركا، في الصباح التقى بالغرفة التجارية الأميركية، وعندما كان يتحدث عن دور الرئيس السيسي في بناء مصر، ذكر إسرائيل بدلاً من مصر، وكلمة الصدق تسبق أي ادعاءات أخرى، فالرجل لا يعنيه سوى إسرائيل، والاجتماع الموسع الوحيد الذي عقده في شرم الشيخ جمعه بالرئيس السيسي، والعاهل الأردني الملك عبد الله، وأبو مازن، هدفه من الاجتماع مصلحة إسرائيل أولاً وأخيراً.

لم يذكر في كلمته أنه أتى ممثلاً لرئيس بلاده، والمرة الوحيدة التي ذكر فيها أوباما عندما قال – لأول مرة – أن ما جاء على لسانه يمثل موقفه ورأيه ورأي أوباما، وإن كان بدا غاضباً لمجرد أنه تحدث بعد ممثل الرئيس الصيني.

علمنا أن أميركا مارست ضغوطاً على الدول الأوروبية لكى تخفض من تمثيلها في المؤتمر، وألا يزيد على وزير، بل إن وزير خارجية بريطانيا – الحديقة الخلفية للولايات المتحدة الأميركية في أوروبا – عندما نادت عليه الإعلامية إيمان الحصري مقدمة برنامج 90 دقيقة في قناة المحور التي قدمت فقرات الجلسة، اكتشفنا أنه غير موجود في القاعة، ولم يعد إليها ليطلب الكلمة ولو حتى بعد دوره، ويبدو أنه جاء – لو كان قد جاء فعلاً – لكي لا يتكلم.

لاحظت غياب بان كي مون، الأمين العام للأمم المتحدة، الذي لا يفوّت أي مؤتمر على مستوى العالم لا بد أن يحضره، وحتى عندما أرسل من يمثله لم يرسل أحد مساعديه، ولكنه أرسل مسؤولاً عن الصناعات الصغيرة بالأمم المتحدة.

ثم انطلق كيري لتحذيراته أو وصاياه الأربع المعروفة لنا سلفاً التي لا أجد رغبة عندي في كتابتها، وكان من الطبيعي أن يتحدث عن حماية الحقوق الفكرية، وقال أيضاً إنهم يريدون أن يضمنوا الوقوف ضد الإرهاب، وإنهم يريدون التمكين الكامل للشباب، لكن الرجل لم يذكر بكلمة واحدة موقفهم الملتبس، بل المؤيد للإرهاب في مصر.

يجب ألا ننسى أنه عندما تحدث ولي العهد السعودي الأمير مقرن بن عبد العزيز عن ازدواجية المعايير في عالم اليوم، وبرغم أنه لم يذكر أميركا صراحة، فإن التصفيق المدوي للقاعة أكد أن الرسالة وصلت، وأن المقصود هو الدولة الكبرى في عالم اليوم التي تفرق بين إرهاب وإرهاب وتطرف وتطرف على أساس من كلمة واحدة، هي: مصالح أميركا.

هل يعقل أن يأتي جون كيري، وزير خارجية الولايات المتحدة الأميركية، لحضور المؤتمر، ولا يقدم بادرة وحيدة من بلاده لمصر، وهي تعيش لحظة تاريخية ومفصلية في عصرها الجديد؟ ويبدو كالمتفرج الذي لا يعنيه الأمر في شيء سوى ذكر أرقام بعض المعونات التي قدموها لنا، وإن كان لم يقترب من المعونات العسكرية المعلقة منذ أكثر من عام، ولا الطائرات التي جرى توقف تسليمها.

أعتقد أنها رسالة لفصائل الإسلام السياسي غير المسلحة، الرسالة تقول: إن القافلة تستعد للتحرك، ولن يكون ضمنها من يحملون السلاح، من يحاولون أخذنا إلى الوراء بالقوة المسلحة، فلا مكان لهم بيننا، لقد خرج من يحملون السلاح داخل مصر – ولا أحب أن أسميهم في هذا العرس – من التاريخ. من الآن وإلى الأبد.

Email