تعرفت على نبيل العربي وكلانا في الرابعة من عمره. كان والده، الدكتور عبد الله العربي، أبرز أساتذة المالية العامة في جيله، وكان أيضاً صديقاً لوالدي. وحيث إن كلا الأسرتين كانتا تسكنان في الحي نفسه في مصر الجديدة، كنت أذهب لألعب معه في حديقة منزله الجميلة المطلة على ما كان حينئذ مساحة شاسعة لسباق الخيل (وأصبح الآن حديقة ميريلاند).

عندما كتبت سيرة حياتي منذ عشر سنوات، وضعت فيها صورة له وهو لا يزال طالباً في كلية الحقوق، ثم ظهر له هو كتاب جميل في السيرة الذاتية أيضاً، منذ ثلاث سنوات اسمه «صراع الدبلوماسية»، يحكي فيه ما مر به من أحداث سياسية مهمة خلال عمله في وزارة الخارجية.

كنت أشعر بالفخر إذن، عندما ذهبت منذ ثلاث سنوات للاحتفال بصدور كتاب نبيل العربي (صراع الدبلوماسية)، ولكن كان يخامرني أيضاً شعور بعدم التصديق. ذلك أنه كان من الصعب عليّ أن أصدق أن هذا الصبي الصغير الذي كنت ألعب معه في سن الرابعة في حديقة منزله، ثم في روضة الأطفال (بين سن الخامسة والسابعة)، قد أصبح له فيما بعد هذا الشأن العظيم، إذ أصبح سفيراً بوزارة الخارجية، ثم رئيساً لوفد مصر في الأمم المتحدة، ورئيساً لإحدى دورات مجلس الأمن، وقاضياً في محكمة العدل الدولية، ثم وزيراً للخارجية، وها هو الآن أمين عام لجامعة الدول العربية، هل يمكن حقاً أن يحقق كل هذا؟.

لابد أن أعترف بأني كنت دائماً أدرك هذا الفارق المهم بيني وبينه، فنبيل العربي لديه حس عملي بالغ القوة، ودائم البحث عما يجب عمله في مواجهة أي مشكلة تصادفه، بينما أبحث أنا عن أفضل الطرق لوصف المشكلة دون أن أقدم أي حل. بعبارة أخرى هو يعمل، وأنا أقوم بتنبيه الجميع أن علينا أن نعمل. لا عجب أننا منذ سنواتنا الأولى في كلية الحقوق، كان نبيل العربي يعرف أنه يريد أن يصبح دبلوماسياً، وأنا أريد أن أصبح مدرساً بالجامعة، مما يذكرني بالطبع بكلمة برناردشو الشهيرة: «ذلك الذي يعرف كيف يقوم بعمل شيء ما يقوم بعمله، وذلك الذي لا يعرف، يقوم بتدريسه».

هذا الحس العملي القوي، بالإضافة إلى الذكاء الحاد، لم يكن من الممكن أن ينتجا هذه النتائج الباهرة التي أحرزها نبيل العربي، لو لم يقترنا أيضاً بشعور وطني قوي. كان اجتماع هذه الصفات هو في رأيي ما مكن نبيل العربي من أن يفعل أشياء مبهرة كثيرة في أيام قليلة أثناء توليه وزارة الخارجية. ففي هذه الفترة القصيرة أحرز تقدماً ملحوظاً في علاقتنا بإيران، ونحو حل مشكلة مياه النيل مع أثيوبيا، وفى التقريب بين الفصائل المختلفة من الفلسطينيين، وفى تحديد الموقف الصحيح من اتفاقية كامب ديفيد.. الخ.

ثم قرأت كتابه (صراع الدبلوماسية)، فوجدت فيه، ليس فقط تأكيداً لكل هذه الصفات، بل وأيضاً تأكيداً لصفات أخرى فيه، كجلده الشديد على العمل، وزهده في الافتخار بنفسه، أو في الحديث عن أخطاء الآخرين، مهما كانت هذه الأخطاء جسيمة. كما يتضح مثلاً في حديثه عن أنور السادات ولقائه به أثناء محادثات كامب ديفيد في 1978، أو عن حسني مبارك أثناء الاحتفال باستعادة طابا من الإسرائيليين.