سياسة العربات المتجولة !

ت + ت - الحجم الطبيعي

في الحارة كان ثمة دكان، في الدكان سكر ورز وملح وخبز، وعلى الرف عبوات فيها حلوى، حامض حلو وملبس بقضامة وكعكبان وعلكة مخدات، وأمام الدكان بسطة خضار وما تيسر من فاكهة الموسم . صاحب الدكان لا هو غني ولا فقير، بين بين، لكنه شبعان.

كنا ننظر إليه ونحن صغار كأنه أغنى رجل في العالم وهو فعلا كذلك، إذ كانت حدود العالم بالنسبة لنا بداية القرية أو المخيم وآخرها تلك المنطقة العارية من البيوت الممتدة إلى ما لا يُرى .

لكن لماذا يبقى "الدكنجي " يحتكر السوق، السوق غير الموجود أصلاً ؟ الأذكياء الذين يمتلكون ثمن عربة بثلاث عجلات قرروا أن يكسروا الاحتكار. حمّلوا العربة دكاناً صغيرة وراحوا يتجولون في الشوارع، وهي في الحقيقة ليست شوارع بل شارع واحد رئيسي يربط القرية بالعالم والبقية زواريب لا تستطيع الدكان أن تدخلها.

فصارت الدكان تذهب إلى البيوت بدل أن يذهب أصحاب البيوت إليها، ومن يكون نائماً أو نائمة أو تسخن الماء على بابور الكاز للغسيل يوقظ أذنها منادٍ : يللا بندورة، يللا خيار، يللا بطاطا، يللا... كل ما تحتاجه لذلك اليوم، ويوم فقط فالخزانة الجهنمية المبردة لم تكن وصلت القرية بعد والكهرباء بعيدة بعد السماء عن الأرض.

أصبح البائع المتجول أغنى من الدكنجي ورأس المال يتناسل ليفتح البائع سوبر ماركت ويزيد الغني غنى يتحكم في الناس والفقير فقراً و...اختفت العربة ذات الثلاث عجلات بعدما أشعلت " ثورة " !

الس ياسة أيضاً بيع وشراء، ليس بالخضار والفاكهة والسكر والملح بل بكل البلاد والعباد.

البشر يقتتلون على مساحات من الأرض، مجرد مساحات لكأن هذه الأرض لم تعد تتسع لساكنيها، أو أنها أصبحت عاقراً لا تنجب ثروات ولا أبناء يعمروها !وها هو الإنسان يعود إلى بداياته الأولى ببدلة وربطة عنق وجينز خانق و...تكنولوجيا لوى عنقها ووضعها في خدمة القتل والانهيار الأخلاقي والذبح وأخيراً الحرق.

فمن عربة البوعزيزي انطلقت العربة العربية الى الهاوية. تدحرجت رؤوس وانهارت أنظمة وزالت دول واشتعلت الحرائق في كل مكان في الوطن العربي.

ويبدو أن عربة داعش ستظل تجول العالم بعد سوريا والعراق ودول عربية لتخريب البشرية وإقامة مملكة خفية بشرت بها الصهيونية العالمية. فقد سمع ضجيج مرتفع قبل لحظات من اقلاع طائرة الرئيس اوباما وأسرته من الحديقة الجنوبية للبيت الابيض.

ما حدا بضباط امن الرئاسة بنقل الصحفيين الى قاعة المؤتمرات وغلق أبواب المبنى. وقال جهاز أمن الرئاسة إن الضجيج ناجم عن اشتعال النار في عربة بائع طعام متجول على مقربة من البيت الأبيض. وفي الوقت نفسه اعترف شاب أميركي بالتخطيط لاغتيال اوباما ومسؤولين أميركيين آخرين والهجوم على مبانٍ بواشنطن "مليئة بالكفار "!

تأتي هذه الأحداث الغامضة بعد أيام من اقتحام رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو كل الأعراف الدبلوماسية والأخلاقية وتهجمه على سياسة الرئيس الأميركي في عقر بيته الأبيض.

بدا المشهد بائساً تماماً، اصطف الكونغرس الأميركي إلا من "خمسين ونيّف" من أعضائه، في "طابور صباحي" بانتظار دخول المدلل الصهيوني. تهافتوا على الرجل الذي سدد إهانة قوية لرئيس البلاد ورمزها، لـ "تسجيل" الحضور والتقاط الصور، التي سترفق مع "الفواتير" التي سيتقدمون بها للوبي الصهيوني لتغطية نفقات حملاتهم الانتخابية القادمة ... دخل "الطاووس" إلى القاعة دخول الفاتحين والغزاة، مستمتعاً بتمريغ أنف رئيس أكبر دولة بالوحل.

في سياق التعليق على هذا التحدي، قال المحلل الإسرائيلي "بن كسبيت" في اليوم التالي للخطاب: "أمس وصلت المواجهة غير المسبوقة بين رئيس الحكومة الإسرائيلية والرئيس الأميركي ذروتها. أمر كهذا لم يحدث في السابق، ونشك فيما إذا كان سيحدث في المستقبل. زعيم أجنبي يصل إلى الكونغرس الأميركي من خلف ظهر الرئيس، ويلقي خطابا حماسيا ضد سياسة الرئيس".

ثم يضيف "نانسي بلوسي، من المؤيدين المتحمسين لإسرائيل وزعيمة الأغلبية الديمقراطية سابقا، تركت أمس القاعة قبل انتهاء الخطاب وأصدرت بيانا مثيرا قالت فيه: (شعرت بالإهانة الشديدة عندما سمعت (نتنياهو). الإهانة التي عبر عنها في خطابه واستخفافه بذكاء الجمهور الأمريكي. وعلق بن كسبيت: "إذا كان هذا ما تعتقده بلوسي، فمن المهم أن نعرف ماذا كان يعتقد أوباما؟!".

هنا مربط الفرس، ذلك أن الإهانة التي شعرت بها بلوسي، ومن ورائها أوباما، وهم يرون أعضاء الكونغرس يصفقون لنتنياهو، مرة بعد مرة، لا يمكن إلا أن تكون قد انسحبت على الجمهور الأميركي، بخاصة الطبقات المثقفة التي تتابع هكذا قضايا، فضلا عمن سمعوا بالأمر من الجمهور العادي لكثرة ما ترددت أصداؤه في وسائل الإعلام.

هل نحن في مرحلة التحضير لتفجيرات 11 سبتمبر جديدة تكمل ما فعلته القاعدة ؟ هل ما تدمره داعش في الوطن العربي وعلوها الغامض مؤشر على تهيئة الأرض لزلزال يهز الخرائط السياسية والجغرافية في العالم ؟ هل اكتملت أو تكاد خطة تصوير الاسلام كدين للإرهاب؟

كل الاحتمالات واردة. وإذا أردت أن تعرف ماذا يجري في سوريا والعراق واليمن وليبيا يجب أن تتبع إصبع نتنياهو و...سكين داعش !!

 

Email