الإكسير المسكوب

ت + ت - الحجم الطبيعي

نجحت مدارس الامارات الوطنية في جمع أكثر من 600 طالب وطالبة في مدينتي ابوظبي والعين ليمثلوا في ملتقاهم دول أعضاء منظمة الأمم المتحدة في مؤتمر " نموذج مونتيسوري " للأمم المتحدة.

ويهدف مؤتمر مثل هذا الى محاكاة الطلاب من عمر 9 – 15 سنة للمؤتمرات الأممية وتشجيعهم على التعرف والتعلم عن الأحداث العالمية، ورغم أن المؤتمر تناول قضايا البيئة والطاقة المتجددة إلا إن المؤتمرين ركزوا في مناقشاتهم وحواراتهم وجلساتهم على إشكالية " شح المياه " فجاءت توصية المؤتمر واضحة تؤكد ذلك حيث أوصى بيانهم الختامي بتسخير التكنولوجيا وتصويب المساعدات المالية تجاه مبادرات ومشاريع لتأمين مياه الشرب لشعوبهم.

وفي مدينة لوس أنجلس الأميركية أصبح مألوفا مشاهدة سيارات زرقاء اللون تتحرك في طرق المدينة وزقاقها توعي الناس بترشيد استهلاك المياه وتحذرهم من هدرها كما تراقب مدى التزامهم بالقوانين التي سنتها سلطات المدينة في هذا الشأن .

حيث حظرت تلك السلطات ري المساحات العشبية أمام المنازل أكثر من ثلاث مرات في الأسبوع وان يقتصر الري على المنطقة الخضراء فاذا جرى الماء الى الشارع اعتبر ذلك إسرافا ومخالفا للنظم ويعرض صاحبها للإنذار أو الغرامة المالية، وهكذا "أنشئت شرطة المياه" لتسير تلك السيارات الزرقاء ضمن السعي الحثيث للحفاظ على الماء في تلك المدينة الكبيرة في ولاية كاليفورنيا التي تواجه موجه جفاف قاسية.

ان الماء هو إكسير الحياة على كوكب الأرض وبالتالي فإن شح المياه كما يقول عالم المناخ د.بول مايوسكي أصبح أحد التحديات الجسام التي تواجه كوكب الأرض ومن يعيش عليه من البشر وما يغطيه من شجر خاصة إذا علمنا ان مليار نسمة من سكان هذا الكوكب لا يحصلون اليوم على المياه النظيفة الكافية.

تقع الإمارات العربية المتحدة في حزام المناطق الجافة التي تتميز بارتفاع درجات الحرارة وقلة هطول الأمطار وانعدام مجاري المياه العذبة المتجددة ومع تنفيذ الخطط التنموية الكبرى منذ سبعينيت القرن الماضي واكب ذلك زيادة مطردة في عدد السكان واتساع الرقعة الزراعية وتغير طرق وأنماط استهلاك المياه.

وقد أولت الدولة أولوية قصوى لمثل هذه التحديات وخاصة مسألة المياه من حيث وفرتها وتنوع مصادرها فأصبح اليوم المصدر الرئيس للمياه هو المياه الجوفية بنسبة 65 %تليها المياه المحلاة نسبة 30 % ثم المياه المعاد تدويرها بنسبة 5 %.

إن تعاون مؤسسات القطاعين العام والخاص في الاستثمار في مشاريع مبتكرة في توفير المياه وأخرى في معالجتها وإعادة تدويرها تعد أولوية مهمة تستحق الاهتمام وقد برز في هذا الخصوص مبادرتان متميزتان فقد خصصت شركة " قطرات الندى "وهي شركة إماراتية 100% ويعمل بها خبراء مواطنون في الدراسات والبحوث المتعلقة في إنتاج الماء من "الهواء ".

حيث صنعت مؤخراً مولداً لإنتاج الماء من الهواء في العاصمة أبوظبي يقدر إنتاجه بـ 105000 لتر يوميا وقامت بعرض منتجها هذا في ساحة نادي ضباط القوات المسلحة وحضر العرض جمع من رجال الأعمال والمعنيين بالأمر بل وحصلت التقنية المستخدمة من المولد على إشادة إقليمية ودولية واعتماد من جهاز ابوظبي للرقابة الغذائية ومختبر بلدية دبي.

تجدر الإشارة في هذا الشأن إلى مبادرة بلدية دبي في تطوير بنية تحتية متقدمة في معالجة مياه الصرف الصحي.

ففي الوقت الذي تقوم به بعض المدن الثرية والكبيرة حول العالم في رمي مخلفاتها من المياه غير النظيفة في الأنهار والبحار والمحيطات مشوهة بذلك البيئة ومهدرة الحياه الفطرية على كوكبنا فقد خصصت البلدية مليار درهم في شهر يوليو الماضي في الاستثمار في برنامج بحثي علمي لتطوير آليات ونظم لأجل الاستفادة القصوى من المياه المعالجة تتعدى الري والزراعة وتدعم جهود ترشيد المياه والتنوع البيولوجي ووقاية المياه السطحية والجوفية من ارتفاع نسبة الملوحة وتسهم في تزويد شبكة إطفاء الحريق بنسبة 23% من المياه على مدار العام.

بحسب عدد من الدراسات والتي قامت بها مراكز البحوث في دول مجلس التعاون فإن المجتمع الخليجي يعد من أعلى مجتمعات العالم استهلاكا للمياه فبينما يتراوح معدل الاستهلاك العالمي للفرد 170 – 300 لتر تشير الدراسات إلى أن الفرد في منطقة الخليج العربي يستهلك أكثر من 500 لتر من المياه كل يوم، وقد جاءت دول المجلس ضمن مقدمه الدول التي تواجه مخاطر الأمن المائي وفق تقرير صادر من مؤسسة " مايلكروفت " البريطانية.

ذلك إن مسلك " الصنبور المفتوح " يكلف كل بيت خليجي 40 لتر ماء لغسيل السيارات و 150 لتراً لغسيل الملابس و 20 لتراً للاستحمام اليومي لكل فرد غير كميات المياه المهدورة في المطبخ وغسل الملابس وري الزراعة المنزلية، أجل إن الحكمة تقتضي مراجعة عاداتنا وسلوكياتنا والتحول من الاستهلاك المفرط للمياه إلى ترشيد ذلك الاستهلاك دعماً للجهود الحثيثة التي تبذلها وزارة الطاقة في بلادنا بالتعاون مع وزارة البيئة والمياه لإعداد مسودة قانون اتحادي لترشيد استهلاك الطاقة.

ومن المستحسن أن يتواكب ذلك مع الاستثمار في تسخير التكنولوجيا لإنتاج معدات متطورة لري الحدائق والمنتزهات بآليات أقل هدرا للمياه إضافة إلى تشجيع المشاركة المجتمعية في هذا الشأن من خلال تثقيف ربات المنازل ورواد المساجد وطلبة المدارس والجامعات والمزارعين وغيرهم، فالأمن المائي مسؤولية وطنية يتحملها كل شرائح المجتمع فكل قطرة ماء تهدر هي إكسير مسكوب فهل من مدكر!

 

Email