ماذا يحدث في الرياض. سؤال يطرح بين المراقبين والمتابعين في عواصم العالم، فهناك نشاط سياسي غير عادي في العاصمة السعودية. تلك المدينة التي يتوافد عليها الزعماء بشكل شبه يومي من زعماء وقيادات عربية وعالمية.
ويبدو أن هناك ترتيبات تسابق الساعة لوضع النظام الإقليمي العربي، وترتيبات البيت الخليجي ومواجهة الإرهاب ومعالجة الملفات المزمنة في المنطقة.
وهناك إدراك أن الأوضاع في المنطقة وملفاتها المتلهبة تتطلب قيادة ورؤية متجددة، خاصة أن الوضع الحالي كشف عن نظام إقليمي عربي متهلهل وتزايد عدد الدول الفاشلة في المنطقة، وتنامي الإرهاب كونه فعلاً إجرامياً وتمدداً جغرافياً.
وبدا واضحاً أن الرياض تأخذ زمام المبادرة في هذه المرحلة، فتوافد زعماء العالم يعطي إشارات واضحة للدور السعودي ولحقيقة أن هناك رغبة في وضع سياسات مرنة، تستوعب المتغيرات وتتعامل مع الواقع الجديد.
فحينما وصل باراك أوباما إلى الرياض في 27 يناير كانت الزيارة للتعزية في وفاة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، ولكنها في الوقت نفسه كانت زيارة سياسية وحضر مع الوفد صناع القرار في واشنطن من الحزبين، حيث عقد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان اجتماعاً مهماً مع أوباما لبحث العلاقات الثنائية، وواشنطن تعلم أن ثوابت السياسة السعودية هي قائمة ومنهجها واضح، ولكن الوسائل تتغير مع تغير المعطيات.
ولذلك كان مهماً للسياسيين الأميركيين معرفة توجهات القيادة السعودية الجديدة والسماع منها مباشرة عن رؤيتها للمنطقة ونظرتها العالمية. وحرصت القيادة السعودية على ترتيب جدول الزيارات أن تبدأ من المحيط الأقرب وهو البيت الخليجي، حيث زار العاصمة السعودية كل القيادات الخليجية، وفهم أن التركيز على تعزيز كيان مجلس التعاون الخليجي وتوحيد المواقف الخليجية في القضايا الإقليمية.
والسعودية في سياستها تضع الموضوع الخليجي محور لها في سياستها الإقليمية والدولية. وأعطت رسالة واضحة أن مبادئ السياسة السعودية لا تتغير لأنها تنطق من عقيدة سياسية متجذرة، وهي كما قال الملك سلمان في كلمته عند توليه مقاليد الحكم، إنها ثابتة على نهج المؤسس.
ويعكس التنسيق الاستراتيجي السعودي- الإماراتي صورة متقدمة لشكل هذا التعاون الخليجي. وهذه العلاقة التي شهدت ترسيخاً أكثر في زيارة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة للرياض، التي أكدت رسوخ العلاقة واستمرار التحالف والتنسيق الاستراتيجي بين البلدين.
الزيارات لم تنحصر بدول الخليج فكانت زيارات لملك الأردن عبد الله بن الحسين، وكذلك زيارة لرئيس دولة فلسطين محمود عباس.
وبالتأكيد تعنى أن قضية فلسطين هي أولوية لدى القيادة السعودية، وأن وجود مشكلات متعددة في المنطقة وقضايا الإرهاب ولكنها لا تحجب أهمية قضية فلسطين في أجندة السياسة السعودية فهي ضمن أولوياتها.
وتسعى السعودية بقوه لتعزيز التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب فكرياً وأمنياً وعسكرياً. وهي التي استضافت في الرياض الشهر الماضي اجتماعاً ﻟﺮﺅﺳﺎﺀ ﻫﻴﺌﺎﺕ ﺍﻷﺭﻛﺎﻥ ﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﺘﺤﺎﻟﻒ ﺍﻟﺪﻭﻟﻲ ﺿﺪ داعش، شارك فيه قادة عسكريون من 26 دولة.
والسياسة السعودية في محاربة الإرهاب قوية ومؤثرة فهي أحبطت كثيراً من العمليات الإرهابية داخل حدودها وخارجها. وفي الوقت نفسه تبنت إنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب.
وأصبح ملف الإرهاب قاسماً مشتركاً في المباحثات السياسية الدولية والثنائية لأنه أصبح خطراً يهدد كل دول العالم. وكانت زيارة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي للرياض هذا الأسبوع تركيز على عمق العلاقات الخاصة بين السعودية ومصر، والالتزام السعودي بدعم مصر كونه موقفاً استراتيجياً ثابتاً.
وكان وقوف السعودية والإمارات والكويت، إلى جانب مصر نقطة مفصلية في التطور السياسي للمنطقة بكاملها. ورغم محاولات الدس في العلاقات الخليجية- المصرية فإن زيارة الرئيس المصري أقوى رد على كل محاولات التشويش الحاصلة وتوقيتها قبل القمة العربية، وقبل مؤتمر الدول الداعمة لمصر تجعل الزيارة في بعدها السياسي وظرفها الزمني لها أهمية خاصة.
وربما كانت الزيارة التي لفتت انتباه مراقبين هي زيارة الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان لما اكتنف العلاقات السعودية- التركية من الفتور والتباعد نتيجة اختلاف الرؤى في السياسات الإقليمية خاصة في موضوع دعم الإخوان المسلمين والموقف التركي بشأن الأوضاع الداخلية في مصر.
وهذا التباين في المواقف السياسية كان له تأثير على العلاقات الثنائية بين البلدين. وتأتي هذه الزيارة في محاولة لتعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين خاصة أن هناك قواسم سياسية مشتركة بين البلدين.
وكان الملك سلمان قد زار تركيا حينما كان ولياً للعهد في شهر مايو في 2013، ووقتها شهدت العلاقات بين البلدين نمواً وتوسعاً سياسياً واقتصادياً. ويزور السعودية هذا الأسبوع رؤساء دول من بينهم رئيسة كوريا الجنوبية، بارك كون هاي، والرئيس الباكستاني نواز الشريف.
وتحتاج المنطقة العربية إلى إعادة خريطة النظام الإقليمي العربي لحماية المصالح العربية في ظل تنامي الدور الإقليمي داخل العربية من دول الجوار، وإيران في سياستها، التي تقوم على التدخل في الشؤون الدخلية للدول العربية واتضح هذا في لبنان وسوريا والعراق سابقاً، وحالياً في اليمن.
التحركات السياسية كثيفة ومتلاحقة وهناك إحساس بأن وتيرة العمل السياسي في المنطقة تتطلب صفة المبادرة والحسم. ويبدو أن مباحثات الرياض ستكون منطلقاً لإحياء نظام إقليمي عربي يستوعب المتغيرات ويضمن المكتسبات.