الأوسكار «الأبيض»!

ت + ت - الحجم الطبيعي

فرض الداخل الأميركي نفسه بقوة على جوائز الأوسكار هذا العام. فمنذ أعلنت الترشيحات، ظهر على تويتر «هاشتاغ» جديد اسمه «أوسكار أبيض للغاية». وصار الجدل حول ترشيحات الأوسكار سياسياً بامتياز، حتى إنه شهد مداخلات من سياسيين يتولون مناصب عامة.

فقد بعث، مثلاً، عضو الكونغرس تونى سارديناس، وهو من أصول لاتينية، رسالة للقائمين على الأوسكار، أعرب فيها عن «صدمته لافتقار مسابقة هذا العام للتعددية». وطلب عقد لقاء يتم فيه بدء «الحوار حول كيفية العمل من أجل بناء صناعة سينما أكثر تعددية، تعكس بشكل أفضل التعددية في بلادنا والعالم».

فقد اتضح أن كل المرشحين لجوائز التمثيل من أصحاب البشرة الشقراء، في الوقت الذي كانت في المسابقة أفلام متميزة تألق فيها فنانون من غير البيض. وكان على رأس تلك الأفلام فيلم «سيلما» الذي لاقى ترحيباً كبيراً من النقاد والمشاهدين عند عرضه.

وهو يتناول واحدة من أشهر وقائع حركة حقوق المدنية في أميركا. فبعد إلغاء العبودية، استمر التلاعب بحق السود في التصويت عبر قوانين محلية في الولايات ابتدعت خصيصاً لهذا الغرض.

و«سيلما» هو اسم المدينة التي خرجت منها المسيرة الشهيرة التي قادها مارتين لوثر كنغ في الستينيات إلى مونتغومرى للمطالبة بحق التصويت. ورغم العنف الذي قوبلت به المسيرة السلمية، إلا أن القائمين عليها أصروا على استكمالها، وكانت نتيجتها صدور قانون حقوق التصويت، الذي وقعه الرئيس ليندون جونسون في 1965.

وفى افتتاح المهرجان، كانت مزحة مقدم الحفل الممثل نيل باتريك هاريس، بمثابة بداية اندفاع الجدل الدائر حول المهرجان من التويتر والشوارع إلى داخل القاعة، حين قال «اليوم نحتفل بالأكثر تميزاً، والأكثر بياضاً..

عفواً الأكثر تألقاً»، في إشارة منه إلى هاشتاغ تويتر. لكن القليلين من غير البيض الذين فازوا بجوائز، استغلوا فرصة الأضواء المسلطة عليهم ليسمعوا صوتهم للعالم، ويلقوا الضوء على محنة سود أميركا.

لكن أقوى كلمات المهرجان جاءت من الفنان الأسود جون ليجيند، الذي ذكّر العالم بأن حق السود في التصويت صار مهدداً من جديد في أميركا، وبأن عدد السود داخل السجون الأميركية اليوم أكثر من عدد من كانوا عبيداً في الولايات المتحدة في عام 1850. وهي معلومة صحيحة ذكرها كتاب «جيم كرو» للأكاديمية السوداء ميشيل ألكزاندر.

والحقيقة أن الجدل الذي دار حول الأوسكار، أعاد للصدارة أطروحة عبرت عنها واحدة من المسؤولين عن الاختيار، رفضت ذكر اسمها، في حوار مع مجلة «هوليوود ريبورتر»، حين قالت «إذا كان الفيلم رديئاً، هل مطلوب مني أن أعطيه صوتي لمجرد أن به سود؟»، والطرح المقصود بالسؤال، هو أن القضية هنا هي جودة الفيلم وجودة الأداء لا الموضوع التاريخي ولا لون بشرة الممثلين.

فإذا كان أداء البيض أفضل فسيفوزون، ليس لأنهم بيض، ولكن لأن أداءهم أفضل. والطرح نفسه يستخدم في كل المجالات تقريباً، هل نقبل الطالب لأنه متفوق أم بسبب لون بشرته؟ هل نعين المتقدم للوظيفة لكفاءته أم للون بشرته.

ولأن هذا الطرح جوهري في تناول المسألة العرقية في أميركا، فإنه يستحق المناقشة. فالحقيقة أن هذا الطرح الذي يبدو بريئاً للغاية، يطرح بمعزل كامل عن السياق التاريخي والاجتماعي، وهو بالتالي ليس طرحاً بريئاً على الإطلاق.

فهو يتجاهل تماماً التأثير الهيكلي لعنصرية امتدت قروناً، وما نتج عنها من تشوهات صارت هيكلية. ففي الجامعات مثلاً، تتجاهل هذه الأطروحة تماماً التمييز العنصري في السكن، الموجود حتى الآن، والذي يفرض على الكثيرين من غير البيض، حتى ولو كانوا من الطبقة الوسطى، الالتحاق بمدارس فقيرة الإمكانات والموارد تؤثر بالضرورة في مستوى خريجيها، الأمر الذي يجعلهم أقل قدرة على التنافس في الجامعات.

وفي الأوسكار، وبالمنطق نفسه، تتجاهل هذه الأطروحة تماماً أن 94 % من الذين يدلون بأصواتهم في جوائز الأوسكار من البيض. بل ويتجاهل طبيعة صناعة السينما في هوليوود، والتي يلعب فيها المال دوراً كبيراً في وضع سقف لما يمكن أن يقدمه السود.

ولعل قراءة باقي حوار عضو لجان التحكيم، التي رفضت ذكر اسمها، يوضح أن المسألة ليست فعلاً بالبراءة التي تبدو عليها. فبعد أن طرحت السيدة سؤالها الاستنكاري حول الفيلم الرديء الذي بدا بريئاً للغاية، إذا بها تقول للمحاور «ودعني أقل لك إنه حين ظهر فريق الفيلم عند عرضه (تقصد فيلم سيلما) بقمصان مكتوب عليها «لا يمكنني التنفس»، شعرت أن ذلك مثل إهانة.

هل يريدون أن يعرفهم الناس بأنهم أصحاب أفضل فيلم، أم بأنهم من يثيرون ذلك الهراء؟». وشعار «لا يمكنني التنفس»، هو شعار المظاهرات التي اندلعت بعد مقتل إريك غارنر الأسود، الذي ظل يقول للضابط الأبيض الذي قتله «لا يمكنني التنفس» حتى لفظ أنفاسه الأخيرة.

وما قالته السيدة بالغ الدلالة. فبعد أن أعطتنا درساً في أن القضية هي جودة الأداء لا لون البشرة، إذا بنا نكتشف أن موقف فريق الفيلم ساعة عرضه، لعب دوراً في القرار! عندئذ، نكتشف أن وجود أغلبية ساحقة من البيض بين الذين لهم صوت في جوائز الأوسكار، له دور فعلاً في كون الأوسكار بدا «أبيض للغاية»!

 

Email